قدم الناقد الهولندي مارك فان دي كلاشورست مراجعة عرض فيلم الوثائقي «أبي والقذافي» للمخرجة الليبية جِيهان منصور الكيخيا من فعاليات «مهرجان فينيسيا السينمائي 2025» (نُشرت بتاريخ 29 أغسطس 2025).
لديكتاتور المعني هنا هو معمر القذافي، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد طوال 42 عامًا، منذ نهاية الستينيات وحتى وفاته خلال الحرب الأهلية الليبية عام 2011. بعد أن استولى القذافي على السلطة في انقلاب عام 1969، أصبح الكيخيا شخصية بارزة في حكومته، إذ شغل منصب وزير الخارجية من 1972 إلى 1973. وبعد فترة عمل فيها سفيرًا لدى الأمم المتحدة، قدّم استقالته عام 1980 احتجاجًا على وحشية نظام القذافي، ودخل المنفى في الولايات المتحدة. هناك التقى بها، الفنانة السورية-الأميركية. وأنجبا طفلين، كان أصغرهما جِيهان. وعندما كانت جِيهان في السادسة من عمرها، سافر والدها إلى القاهرة لحضور مؤتمر. لم تره بعدها أبدًا.اختفى والدها بشكل غامض من فندق في القاهرة في 10 ديسمبر 1993، وهو حادث تصدّر العناوين الدولية. ما حدث له بعد ذلك لا يزال غامضًا حتى اليوم، حتى بعد مشاهدة الفيلم.
مصير مجهول
كان ما سبق يبدو كفيضان من المعلومات، فأنت لست مخطئًا؛ فبحث جِيهان مُرهق في تفاصيله. لكنه ضروري، لأنها لا تريد فقط أن يُنسى والدها، بل تسعى أيضًا إلى أن تتذكر أمة بأكملها تاريخها، وأن تعثر هي شخصيًا على صلتها بجذورها الليبية. لهذا يُخصص جزء كبير من «أبي والقذافي» لاستعراض العقود التي سبقت صعود القذافي إلى السلطة، بدءًا من الحقبة الاستعمارية الإيطالية، مرورًا بمجازر إبادة، ووصولًا إلى الفترة القصيرة
التي كانت ليبيا فيها مملكة. ليبيا ليست فريدة في هذا المسار من الاضطراب ما بعد الاستعمار في العالم العربي (انظر إلى غزة وحدها)، وهو ما يوضح الفيلم أنه كان عائقًا كبيرًا أمام تشكيل هوية عربية جامعة.
لكن باعتماد الفيلم هذا الطابع الشامل، يضيع أحيانًا البعد الشخصي للقصة. فمهما كان مشهد النهاية مؤثرًا، ومهما حمل السرد من دلالة على المستوى الأوسع، يبقى غياب الرابط الحقيقي بين الأب وابنته ملموسًا. اللحظات الشخصية حزينة وذات طابع عاطفي، لكنها لا تُشعرنا بالدفء خارج مقابلات بَها، المرأة القوية العنيدة التي يتردد في كلماتها حبها العميق لزوجها حتى بعد عقود من رحيله. أما مع جِيهان، فذلك الرابط غائب — وهو أمر مفهوم — لكنه يظل عقبة أمام premise الفيلم نفسه. لحسن الحظ، فإن بحثها وقدرتها على جمع المواد الأرشيفية في سرد متماسك أمر مبهر، كما أن مقابلاتها مع أقران والدها تُكمل الصورة عن سبب أهمية الكيخيا، وضرورته في العالم العربي، حتى لو اقترب الأمر أحيانًا من خطاب المديح. ومع التاريخ الثري والمثير لليبيا ما بعد الاستعمار، مهما كان دمويًا، يجعل كل ذلك من «أبي والقذافي» مشاهدة جديرة بالاهتمام، حتى لو لم يحقق الفيلم كل أهدافه.