في كثير من دول العالم، لم تعد السلطة مجرد وسيلة لخدمة المواطن، بل تحولت إلى غاية في ذاتها يسعى البعض للتشبث بها بأي وسيلة، حتى وإن كان الثمن هو تدمير مؤسسات الدولة ونهب ثرواتها.
حين يتحول الكرسي إلى حلم أبدي، يصبح التغيير مستحيلًا، وتُخنق الديمقراطية، ويُقمع الصوت الحر. أسوأ ما في التشبث بالسلطة أنه يُنتج أنظمة مغلقة، لا تسمح بتداول الحكم، ولا تؤمن بالكفاءة، بل تكرّس الولاء والتمجيد على حساب العمل والنتائج.
في مثل هذه البيئات السياسية، تتسلل السرقة إلى قلب الحكومات، وتتحول الدولة إلى غنيمة يتقاسمها من هم في قمة الهرم، بينما يُترك المواطن العادي في دوامة من المعاناة، ينتظر وعودًا لا تُنفذ، ويصبر على واقع لا يتغير. سرقة الحكومات ليست فقط في الأموال المنهوبة أو العقود المشبوهة، بل في الوقت الضائع من أعمار الشعوب، وفي الفرص الضائعة على أجيالٍ بأكملها. حين تُدار الدولة بمنطق العصابة لا بمنطق المؤسسة، تغيب الشفافية، وتموت المحاسبة، وتُقصى الكفاءات، وتُزرع المحسوبية والفساد. المسؤول الذي يجمع بين منصبه وثروات طائلة دون مصدر واضح، هو خائن للأمانة، مهما كانت مبرراته، ومهما حاول تلميع صورته.
الكارثة الأكبر أن بعض الشعوب اعتادت هذا النمط من الحكم، إما خوفًا أو يأسًا، فصارت تتعامل مع الفساد كأمر طبيعي، ومع اللصوص كأبطال، ومع التغيير كخطر. هذا الواقع يحتاج إلى وعي جماعي، إلى صحافة شجاعة، وإلى أصوات ترفض الصمت. لا يمكن أن تُبنى الدول على الكذب، ولا أن تنهض وهي مقيدة بسلاسل الطمع والجشع السياسي. آن الأوان لندرك أن الوطن ليس مزرعة خاصة، وأن السلطة مسؤولية لا مكافأة، وأن من يسرق من الدولة يسرق من أطفاله أولًا، ومن مستقبلهم. حين نكسر حاجز الخوف، ونطالب بالحقيقة، وندافع عن حقنا في حكم شريف ونزيه، فقط حينها يمكن أن نبدأ من هنا.
بقلم: فوزية أحمد الصالحين الهوني – شمس اليوم