وصف المدون

عاجل الأن



 فصل ثان : كيفية التطبيق القضائي للعقوبة :

 

يبرز جليا من خلال إمعان النظر في ما أفرزه التطبيق القضائي فيما تعلق دوما و تحديدا بفعل عدم دعوة الجلسات العامة للانعقاد حال تسيير شؤونها من الوكيل أو الوكلاء ،، أن المشرع ترك إجمالا وبصفة شبه نهائية باب الاجتهاد مفتوحا للقضاء الجالس لإعمال سلطته التقديرية وإقرارالعقوبة الجزائية المستوجب توقيعها بشأنها و بشأن كل الجرائم و التصرفات السلبية ممكنة الاقتراف من قبلهم  إستئناسا  بملابسات كل قضية جزائية على حدة مما يحمل عن التساؤل آليا عن الكيفية التي يتم بموجبها النطق عمليا بعقوبة الفصل 147 م ش ت ؟؟ وكيفية تمظهر ذلك خصوصا على مستوى العمل القضائي الخالص ؟؟، الأمر الذي يفرض بيان ذلك تباعا أولا من خلال  مختلف الصور العادية لإقرار العقوبة (فقرة أولى ) و ثانيا من خلال صورة مخصوصة بذاتها هي  تحديدا صورة التوارد أو كذلك التزاحم (فقرة ثانية) .

 

                    فقرة أولى  ـ تطبيق العقوبة في صورها العادية :  

  إقتضى الفصل 53  م ج الوارد ضمن القسم الرابع المعنون ب" في تطبيق العقوبات" ما يلي : "إذا إقتضت ظروف الفعل الواقع لأجله التتبع ظهورما يحمل على تخفيف العقاب وكان القانون غير مانع من ذلك ،  فللمحكمة مع بيان تلك الظروف بحكمها أن تحط العقاب إلى ما دون أدناه القانوني بالنزول به درجة أو درجتين من سلم العقوبات الأصلية الواردة بالفصل   5  من هذه المجلة ... "  مما يتضح معه  مبدئيا أن لا شيء يمنع قانونا قاضي الأصل المتعهد بملف جزائي موضوعه إحدى جريمتي الفصل 147 م ش ت من تطبيق أحكامه واقعيا لا سيما بالنظر لتماشي الأمر مع خصوصية المادة الجزائية ذاتها مقارنة عموما بالمادة المدنية

 على أن تمام التقيد  بما ورد بالفصل 147  م ش ت يبرز خلاف ذلك تماما إذ يتضح بجلاء  كامل أن المشرع لم يتولى من خلاله تضمين أي معطى  قد يفهم من ورائه صراحة أوضمنا إمكانية تخويل القاضي المكلف بتطبيق العقوبة إعمال الآلية المتصلة بظروف التخفيف وإجراء تأجيل التنفيذ في آن واحد طالما أن العقوبة الجزائية المقررة به هي مجرد خطية لا غيرمما يعني منطقا وقانونا أن تطبيقها من قبل القاضي الجالس لا يطرح إشكالا معتبرا على خلاف ماهو عليه الحال مثلا إذا ما كان قد تضمن نفس الفصل إقرار عقوبة أخرى مغايرة هي حتما عقوبة السجن أو العقوبة البدنية أو الإثنين معا

 

يتجه التمسك هنا  بمعطى ثابت إتجه بيانه هو أن مقدار العقوبة المالية هذا المحدد بالفصل 147  م ش ت يعكس على غرار ما ورد بالفصل 146  م ش ت ومنذ البداية نجاعة  مفقودة أمام ضعفها أولا وعدم تماشيا ثانيا و أصلا  مع واقع  الشركات ذات المسؤولية المحدودة  سيما إذا ما كانت مندمجة أثناء فترة سيرها مع شركات مماثلة أو مغايرة... الأمر الذي قد يحمل على الاعتقاد أن دفعا كالذي تقدم من شأنه أن يكون قد شكل  سببا حقيقيا و حتى عميقا وراء  توجه كافة قضاة الأصل نحو إقرار العمل بقاعدة التوارد كحل جذري  فرض نفسه بقوة أمام ثبوت غياب تواجد الفاعلية المرجوة من وراء تكريس العقوبة الجزائية ومقدارها بالفصل 147 م ش ت وسعيا منهم نحو محاولة تحقيق ما تخلف المشرع عن انجازه وتجسيده.

واقعيا عبر تطبيق مفهوم العقاب الأشد بصفة يقع معها ضمان التوصل لإرساء نظام عقابي صارم ومجدي في آن واحد .

 

                فقرة ثانية ـ تطبيق العقوبة في صورة التوارد أو التزاحم :

 

يطرح هنا تساؤل جوهري  يتمحور حول  معرفة الطريقة القانونية المتبعة في تسليط العقوبة على الجاني : هل  يعاقب قانونا لأجل كل جريمة على حدة أم أنه تقع مؤاخذته جزائيا بتوقيع عقوبة واحدة عليه لأجل كل تلك الأفعال الإجرامية؟؟.

تفترض الإجابة عن هذا التساؤل الهام ذي البعد التطبيقي الخالص التأكيد على معطى أولي مهم مفاده أن عقوبة الفصل 147 م ش ت تنتهي نظرا لعدم نجاعتها عمليا بفعل الضم لأن هذه العقوبة المزدوجة قد تصبح مضمومة بفعل ضمها مع عقوبة أخرى ضامة لها تكون أشد وطأة وصرامة منها على مستوى مدة العقوبة ومقدارها خاصة لا سيما أنه قد  أمكن بفضل التطبيق القضائي للعقوبة التشريعية المقررة بداية ضد الوكيل أو الوكلاء الكشف عن جانب قانوني معتبر هو أن النقص الذي أمكن بيانه بخصوص عدم الفعالية التطبيقية لعقوبة الفصل 147 م ش ت  لم تقتصر واقعيا و لوحدها  على هذا الجانب فحسب بل شمل أيضا مسألة الصعوبات المنجرة عن التزاحم أو التلاقي الذي قد يحصل بين نصين أحدهما عام والآخر خاص و التي تواجدت وطرحت فعلا أمام المحاكم الجزائية عبر ما تمظهر أساسا من خلال تزاحم عقوبة الفصل 147 م ش ت مع مقتضيات الفصل 297 م ج المتعلق بجريمة خيانة  المؤتمن لتعد بذلك صورة التزاحم هذه أعلاه أهم  صورة لكل ذلك أدت بالتبعية لظهور إتجاهين فقهيين متضاربين اختلفا حول القبول بنظرية التوارد أو التزاحم ذاتها والعمل بها من عدمه  إتجه لأهميتهما  بيانهما والوقوف عند حجج  ومبررات كل واحد منهما على حدة :

 ففي ما تعلق بالاتجاه الأول ، فقد استند على معطى قانوني محدد بذاته  مستمد أساسا من قاعدة فقهية أصولية ورد تضمينها  تحديدا بالفصل 534 م ا ع  تمثل سندها حسب مناصريه في كونه يضم فحسب المادة المدنية لا غير فلا مجال إذن  لتطبيقه في المادة الجزائية  مما يفضي للقول بأنه لا يتسنى الإعتماد فقط و كليا على مقتضياته وأحكامه لإستبعاد التوارد لأنه بالأساس مسألة جزائية  .

  في حين يعتبر وفي المقابل أصحاب الشق أو الاتجاه الثاني الرافض أصلا لتطبيق التوارد أن إعمالها كتقنية مرفوض وبالتالي لا مجال لتوارد جرائم التصرف الإداري بصنفيها السلبي أو حتى الايجابي  مع جرائم أخرى معاقب عليها معتمدين في موقفهم هذا على ثلاثة حجج أولها قانونية خالصة تقوم ببساطة على أنه إذا تلاقى نص خاص وآخر عام  ، اتجه بداهة ومباشرة ترجيح الأول على الثاني بمعنى أنه بخصوص جرائم الحال ،  فان الفصل المنظم لهما يقدم حتما على الفصول العامة  الجزائية خاصة منها الفصل 291 المتعلق بجريمة التحيل والفصل 297 الخاص بخيانة الأمانة مما يعتبر معه أنه لا مجال إذن لإعمال التوارد وبالتالي حتمية إبقاء العقوبة الجزائية المستوجبة في أدناها المحدد بالفصل 147 م ش ت فضلا على أنه لا يتسنى حسب نفس الشق دوما تطبيق نفس هذه الآلية إذا ما التقى الفصل المذكور مع الفصل 99 م ج .

 في حين ترتكز الحجة الثانية المستند إليها منه دوما  ذات الطابع الاقتصادي الخالص على مقولة أن الشركات ذات المسؤولية المحدودة تضطلع عموما بدور اقتصادي هام حمل المشرع على أن يفردها بمؤاخذة جزائية خاصة خرج بها عن مدار تطبيق الأحكام العامة  بالمجلة الجزائية عبر ما دفعهم من الأصل نحو التمسك بها والدفاع عنها أكثر فأكثر من خلال ثبوت تساؤلهم العميق و المستمر عن كيفية حصول التشجيع الفعلي على الاستثمار إذا لم يقع بصفة ملموسة إفراد القطاع بنصوص متميزة وخاصة به فضلا على جانب عملي آخر أهم مفاده أنه إذا ما علم المستثمر بإمكانية تعرضه واستهدافه لعقوبات خطيرة كتلك المضمنة خاصة للفصل 297 م ج   ، فانه حتما  سيعدل عن تجسيم استثماره بالبلد الذي يقر تشريعه مثل هذه العقوبات .

 تبقى ختاما الحجة الثالثة التي تنطلق مرتكزاتها من ثبوت استقرارعمل القضاء الجالس على التمسك عمليا بتطبيق الحكم الجنائي الصادر عن محكمة الاستئناف بتونس عدد 1755 في 17/05/1994 صلب إحدى حيثياته من أنه بالنظر إلى ما سبق شرحه" يصبح التمسك بالفصل 297 من المجلة الجنائية ضمن قضية الحال في غير طريقه خصوصا أمام إقرار   المشرع التونسي لمثل  هذه القاعدة الأصولية بالفصل 594 م ا ع  ، ، كما سبق لمحكمة التعقيب بتاريخ  15/04/1979 بموجب قرارها التعقيبي  عدد 11571 والذي جاء في مبدئه ما يلي التأكيد دوما على أنه  " إذا اجتمع على موضوع واحد اثنان احدهما خاص والثاني عام يطبق الأول على الثاني " .

 وعليه ، فانه من المنتظر و المفترض أن يقع وضع حد لهذا الاختلاف الفقهي والفقه قضائي من طرف المشرع الحاصل و المتنامي حتى بعد  صدور مجلة الشركات التجارية و مضي العمل بها لليوم ،  إلا أنه لم يحصل مطلقا بدليل عدم تواجد أي تنصيص تشريعي صريح أو ضمني على قاعدة تسبيق النص الخاص على النص العام الواقع التعرض إليها آنفا في إطار الفصل 147 م ش ت  .

 ــ يتضح إذن  من خلال كافة ما تم  بيانه وتحليله بخصوص التنظيم الجزائي للتصرف الإداري السلبي  لوكيل أو وكلاء الشركة ذات المسؤولية المحدودة خلال فترة سيرها أنه تنظيم اتسم بمواطن ضعف عديدة ومتفرقة تجسد خاصة على مستوى غياب كلي للنجاعة العملية المطلوبة بخصوص التوصل لتحقيق ردع فعلي وحقيقي لمن ذكروا إذا ما سولت لهم أنفسهم التلاعب بمصالح الشركة والمس بها بطريقة أو بأخرى .

 

       بقلم  عماد سعايدية محامي لدى التعقيب واستاذ جامعي وباحث                                                          

                                                             

 

 



إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button

يمكنكم متابعتنا

يمكنكم متابعتنا