وصف المدون

عاجل الأن




اندلع في الأسبوع الثاني من يونيو- جوان - 2025 تصعيد غير مسبوق في الصراع الإيراني الإسرائيلي، تحوّل فيه التوتر الطويل الأمد من حرب في الظل إلى مواجهة مباشرة مكشوفة، شملت هجمات متبادلة بطائرات مسيّرة وصواريخ دقيقة، مخلفة خسائر بشرية ومادية كبيرة في كلا الطرفين، وسط ترقب وتحذيرات من اتساع رقعة المواجهة لتشمل الإقليم بأكمله.

بدأت شرارة الجولة الحالية عندما شنت إسرائيل  ضربات جوية مركّزة استهدفت مواقع عسكرية إيرانية داخل العمق الإيراني، لا سيما في أصفهان وطهران، أسفرت عن مقتل تسعة عشر عنصراً من الحرس الثوري، بينهم قياديان في فيلق القدس، وفق ما أوردته مصادر رسمية إيرانية. ولم تمضِ سوى ساعات حتى جاء الرد الإيراني فجر التاسع من يونيو، عبر إطلاق أكثر من ستين طائرة مسيّرة وصواريخ كروز على منشآت عسكرية إسرائيلية في النقب ووسط البلاد، في هجوم اعتبره مراقبون الأوسع منذ نشأة الصراع غير المباشر بين الطرفين. وقد أسفر هذا الرد عن مقتل أربعة عشر شخصاً في إسرائيل، بينهم ثلاثة جنود، إضافة إلى أكثر من سبعين جريحاً، بعضهم في حالة حرجة.

تتجاوز خطورة هذه الجولة من التصعيد البُعد العسكري المباشر، إذ بدأت تتكشف ملامح الخسائر التي تكبدها الطرفان، وتداعياتها على المنطقة برمتها. ففي إسرائيل، أُعلن عن سقوط ما مجموعه سبعة وعشرين قتيلاً منذ بداية التصعيد، وتسجيل أكثر من مئة وتسعين جريحاً، إلى جانب أضرار واسعة شملت تدمير جزئي لمنشآت حيوية، أبرزها منشأة ناحال سوريك النووية، وتوقف مؤقت لمطار بن غوريون، وتضرر البنية التحتية في بئر السبع وأشدود، إضافة إلى خسائر تجارية مباشرة قدرتها وزارة المالية الإسرائيلية بما يقارب مليار ومئة مليون دولار خلال أسبوع واحد.

أما في إيران، فقد ارتفعت الحصيلة إلى أكثر من ثلاثة وأربعين قتيلاً في صفوف الحرس الثوري، وأشارت التقارير إلى دمار جزئي في منشآت عسكرية قرب شيراز وأراك، فضلاً عن توقف الملاحة في ميناء بندر عباس بعد غارات إسرائيلية عنيفة. كما سجلت البورصة الإيرانية تراجعاً بنسبة فاقت ثلاثة بالمئة منذ بداية الهجمات، وسط هروب كبير لرؤوس الأموال المحلية.


وفي الجبهات المتصلة، كان حزب الله في لبنان من أبرز المتضررين، إذ فقد ثمانية عشر مقاتلاً في ضربات إسرائيلية استهدفت جنوب لبنان ومخازن أسلحة في البقاع، كما استهدفت غارات أخرى مقرات لميليشيات عراقية موالية لطهران في محافظتي نينوى والأنبار، وأوقعت اثني عشر قتيلاً في صفوفها. هذا التوسع في ساحة الاشتباك يعكس مدى تعقيد المشهد، ويؤشر إلى إمكان انزلاقه إلى نزاع إقليمي واسع النطاق.


الارتدادات الإقليمية لم تتأخر في الظهور.....

 فقد أعلنت كل من العراق والأردن حالة الاستنفار الجوي، وأغلقت السعودية والإمارات مجالهما الجوي أمام الطيران المدني المتجه نحو إيران أو إسرائيل، في حين ارتفعت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها منذ عام، متجاوزة حاجز 91 دولاراً للبرميل، نتيجة المخاوف من تهديد الملاحة في مضيق هرمز. وتكبدت أسواق المال في الخليج خسائر تقدر بأكثر من 8.5 مليارات دولار خلال خمسة أيام فقط، فيما تسارعت مؤشرات التباطؤ الاقتصادي في لبنان وسوريا والعراق.

على المستوى الدولي، ورغم دعوات التهدئة الصادرة عن الأمم المتحدة وعدد من العواصم الأوروبية، فإن المواقف الغربية بدت مترددة. الولايات المتحدة اكتفت بإدانة الهجمات الإيرانية والتأكيد على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، لكنها لم تتدخل بشكل حاسم لمنع التصعيد. أما روسيا، المنشغلة بحربها في أوكرانيا، واكتفت بالمراقبة، فيما حافظت الصين على موقف حيادي تقليدي يدعو إلى "ضبط النفس من جميع الأطراف".

المحللون يجمعون على أن المواجهة الحالية تجاوزت كونها رد فعل متبادل لتصبح علامة على تحوّل استراتيجي. فطهران، التي باتت أكثر جرأة في إظهار قدراتها الهجومية بعيداً عن الوكلاء، تشير إلى ثقة متزايدة بترسانتها العسكرية، واستعداد للانتقال من الحرب بالوكالة إلى المواجهة المباشرة. وفي المقابل، تسعى إسرائيل لردع هذا التمدد الإقليمي الإيراني، لكنها تدرك أن حدود الردع أصبحت أكثر هشاشة في ظل اتساع الجبهات وتضعضع البيئة الإقليمية.

وفي ظل الغياب شبه التام لأي مبادرة سياسية فاعلة، تتجه المنطقة نحو مسار تصعيدي مفتوح، قد يدفع بها إلى حرب شاملة، تتداخل فيها الحسابات العسكرية مع المواقف الأيديولوجية والتوازنات الجيوسياسية. والأخطر من ذلك، أن الانفجار القادم لن يبقى محصوراً بين طهران وتل أبيب، بل ستكون له انعكاسات عميقة على أمن الطاقة، والهجرة، والاستقرار الاجتماعي والسياسي في معظم بلدان الشرق الأوسط.


ختاماً، لا يبدو في الأفق القريب ما يشير إلى نهاية وشيكة لهذا النزاع المحتدم. فمع كل صاروخ يُطلق، وكل منشأة تُدمر، وكل قتيل يُضاف إلى قوائم الضحايا، تتآكل فرص الحل وتزداد الكلفة البشرية والاقتصادية. ويبدو أن الشرق الأوسط، من جديد، يجد نفسه أمام لحظة مفصلية تنذر بتحولات كبرى، وقد تكون هذه المرة أكثر عنفاً مما شهده في العقود الأخيرة.


شمس اليوم نيوز


إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button

يمكنكم متابعتنا

يمكنكم متابعتنا