وصف المدون

عاجل الأن

 



 صادق البرلمان التونسي  امس الثلاثاء  على مشروع قانون ينقح بعض أحكام مجلة الشغل، ويتضمن منعًا صريحًا لما يُعرف بـ"مناولة اليد العاملة". وجاء هذا التشريع في إطار جهود الدولة لمحاربة التشغيل الهش، وتكريس مبدأ العلاقة المباشرة بين العامل والمؤسسة.

يهدف هذا القانون إلى إنهاء ما تعتبره الحكومة والنقابات أحد أبرز أشكال استغلال العمال، حيث كانت المؤسسات التونسية تعتمد على شركات وسيطة لتوفير اليد العاملة دون أن تلتزم هذه المؤسسات بحقوق الأُجراء بشكل مباشر، ما أدى إلى تفشي ظواهر مثل عدم استقرار الشغل، وانعدام التغطية الاجتماعية، وغياب آليات الحماية القانونية للعمال.

من خلال القانون الجديد، تسعى الدولة إلى حماية حقوق العمال عبر منع هذه الصيغة التشغيلية، وضمان ترسيمهم في المؤسسات الأصلية، وتحقيق استقرار مهني يُراعي كرامة العامل وأمانه الاجتماعي.

  مضامين القانون والعقوبات

ينص القانون على أن أي عقد يهدف إلى تشغيل العمال عبر مؤسسة وسيطة يعتبر لاغيًا. كما ينص على أن العامل الذي يشتغل في إطار المناولة يُعتبر مرسّمًا مباشرة لدى المؤسسة المستفيدة من خدماته اعتبارًا من تاريخ دخول القانون حيز التنفيذ. وتُحتسب أقدميته كاملة، شريطة عدم وجود انقطاع في علاقته الشغلية يتجاوز سنة.

أما فيما يتعلق بالعقوبات، فقد تم فرض خطايا مالية تصل إلى 10 آلاف دينار في حالة خرق هذا القانون، وتُضاعف العقوبة في حال تكرار المخالفة. كما يتعرض المسؤول القانوني عن المؤسسة لعقوبة بالسجن تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر في حالة العود. وهذه العقوبات تسري على الأشخاص الطبيعيين والمعنويين على حد سواء.

أثار هذا القانون جدلاً واسعًا، لا سيما في الأوساط الاقتصادية والقطاعات التي تعتمد على المرونة في التشغيل، مثل قطاع السياحة والبناء والخدمات. فقد عبّرت مؤسسات كبرى عن تخوفها من تداعيات القانون على قدرتها التشغيلية، معتبرة أن المناولة، رغم ما يشوبها من إشكاليات، تبقى أداة ضرورية في إدارة اليد العاملة خاصة في فترات الذروة والمشاريع الموسمية.

في المقابل، رحّبت النقابات العمالية والحقوقية بهذه الخطوة، واعتبرتها انتصارًا للطبقة العاملة، ومقدمة نحو تحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية داخل سوق العمل. ورأت أن الوقت قد حان لإنهاء سياسات التشغيل الهش التي دامت لعقود، تحت مسميات مثل "العقود المؤقتة" أو "عقود المناولة".


   قانون  تقدمي لكن ....

رغم الطابع التقدمي لهذا القانون من الناحية الاجتماعية، إلا أن تطبيقه يطرح عدة تحديات عملية، خاصة مع غياب آليات مراقبة صارمة لمنع التحايل، واحتمال بروز صيغ جديدة من "المناولة المقنّعة". كما أن الغموض في بعض فصول القانون، خصوصًا التمييز بين "مناولة اليد العاملة" و"مناولة الأشغال"، قد يخلق لبسًا قانونيًا لدى المؤسسات ويصعّب من عملية تطبيقه بسلاسة.

كذلك، فإن قطاعات كالسياحة، التي تعتمد على عقود موسمية، ترى أن القانون لا يأخذ بعين الاعتبار خصوصية النشاط الاقتصادي، مما قد يؤدي إلى إرباك دورة الإنتاج والتشغيل، وتقليص فرص العمل في فترات الذروة.

 الثابت ان قانون منع المناولة في تونس يُعدّ مكسبًا هامًا من حيث حماية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للعمال، لكنه في الوقت نفسه يضع المؤسسات الاقتصادية أمام تحديات جديدة تتعلق بكيفية التوفيق بين الامتثال القانوني وضرورات المرونة التشغيلية. ويبقى نجاح هذا القانون مرهونًا بإرادة سياسية صلبة، وتعاون فعلي بين الحكومة والقطاع الخاص والنقابات، من أجل ضمان تطبيق عادل ومتوازن يخدم مصلحة العامل دون الإضرار بمناخ الاستثمار.


شمس اليوم نيوز 

إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button

يمكنكم متابعتنا

يمكنكم متابعتنا