وصف المدون

عاجل الأن

 




في خضم الحرب السودانية الممتدة منذ أبريل 2023، بات الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ساحة مفتوحة لتقاطع المصالح الدولية، وورقة اختبار لحدود النفوذ الإقليمي والدولي في منطقة القرن الإفريقي. وفي خضم هذه المعادلة المعقدة، تطفو على السطح اتهامات خطيرة تتعلق باستخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية ضد أهداف مدنية وعسكرية في مناطق النزاع، وهي تهمة لا تُطرح عبثًا في هذا التوقيت، ولا يمكن فصلها عن الحسابات الجيوسياسية الأمريكية في السودان.

منظمة "هيومن رايتس ووتش" وتقارير ميدانية مستقلة تحدثت عن أعراض سريرية ظهرت على مدنيين في مناطق من دارفور ومدينة أم درمان، تتطابق مع نتائج التعرض لغازات سامة. وبينما تلتزم الحكومة السودانية بالنفي القطعي تتحدث واشنطن عن "أدلة استخباراتية موثوقة" حول تورط الجيش السوداني في استخدام أسلحة محظورة بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية لعام 1993، وهي اتفاقية وقّعت عليها الخرطوم قبل أكثر من عقدين.


رسالة إلى البرهان

اللافت في القضية ليس فقط البُعد الأخلاقي أو القانوني، بل التوظيف السياسي البالغ الدقة الذي تقوم به واشنطن. فالإدارة الأمريكية، التي بدت في البداية مترددة إزاء انحياز واضح لأي من طرفي النزاع، تستخدم هذا الملف اليوم كورقة ضغط مباشرة على الفريق أول عبد الفتاح البرهان، القائد العام للجيش ورئيس مجلس السيادة.

الرسالة تبدو واضحة: إما الرضوخ لمعادلة انتقال سياسي حقيقي، يفضي إلى شراكة مدنية ـ عسكرية بإشراف دولي، أو مواجهة سيناريوهات عزلة وعقوبات قد تُعيد السودان إلى مربع الحصار السياسي والاقتصادي.


حرب ملفات ومصالح متشابكة

توقيت الكشف عن هذا الملف ليس بريئًا، إذ يأتي في وقت يشهد فيه السودان تحولات ميدانية على الأرض، مع تقدم نسبي لقوات الدعم السريع في بعض المناطق، واستنزاف واضح للجيش في جبهات متعددة. كما يتزامن مع توترات إقليمية في البحر الأحمر، وانشغال روسيا في أوكرانيا، ما يتيح لواشنطن هامشًا أكبر للتحرك السياسي في المنطقة.

الولايات المتحدة، إذ تلوّح بملف الأسلحة الكيميائية، لا تستهدف فقط حماية المدنيين، بل تسعى لإعادة هندسة المشهد السياسي السوداني وفق رؤيتها، مع ضمان الحد من نفوذ منافسين مثل موسكو أو أبوظبي في الساحة السودانية.


البرهان بين المطرقة والسندان....

بالنسبة للبرهان، فإن نفي الاتهامات لم يعد كافيًا. فالمعادلة الدولية باتت تفرض عليه إما الانخراط في تسوية تضمن نفوذًا محدودًا للمؤسسة العسكرية في مستقبل السودان، أو مواجهة سيناريو "الشيطنة الدولية" التي لطالما استخدمتها القوى الغربية ضد خصومها، كما حدث مع صدام حسين وبشار الأسد.

وإذا صحّت الاتهامات أو جرى تبنيها سياسيًا من قبل مجلس الأمن، فإن ذلك قد يفتح الباب أمام تحقيقات دولية أو حتى توصيف الجيش السوداني كطرف مرتكب لجرائم حرب، وهو ما سيكون له أثر عميق على شرعية المؤسسة العسكرية داخليًا وخارجيًا.

 الثابت ان الملف الكيميائي في السودان لم يعد قضية عابرة أو ادعاءًا حقوقيًا فقط، بل تحوّل إلى أداة جيوسياسية بامتياز، في لحظة تعيد فيها واشنطن ترتيب أوراقها في إفريقيا. أما البرهان، فيقف اليوم في مفترق طرق، حيث باتت خياراته محدودة، والمسار القادم محفوفًا بتحديات قد تعيد تشكيل مستقبل السودان بالكامل .


شمس اليوم نيوز





إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button

يمكنكم متابعتنا

يمكنكم متابعتنا