ألقت جريدة «فاينانشيال تايمز» الضوء على ممارسات تهريب خام النفط من ليبيا من خلال نظام مقايضة الخام مقابل الوقود، مشيرة إلى أن العائدات التي يولدها هذا النظام ساهمت في دعم الفصائل السياسية المتنافسة، وتعطيل جهود الأمم المتحدة لإجراء الانتخابات في ليبيا، ومحاربة الفساد وتوحيد البلاد تحت قيادة حكومة موحدة، إضافة إلى أنه عزز الحكومات المتنافسة والتشكيلات المسلحة وهو ما عمق الانقسام في ليبيا.
وفيما أشار التقرير إلى المساعي المحلية والدولية لإنهاء ممارسات الفساد في القطاع النفطي بليبيا، استبعدت الجريدة أن يسفر ذلك عن نهاية قريبة لتلك الممارسات، مشيرة إلى أن الفصائل السياسية وجدت وسيلة للتعايش مع بعضها والتربح من نظام مقايضة الخام مقابل الوقود.
ولطالما كان الوصول إلى الثروة النفطية للبلاد في قلب المنافسة بين الفصائل السياسية المختلفة منذ الإطاحة بمعمر القذافي بالعام 2011. وخلال السنوات الماضية، يبدو أن الحكومات المتنافسة وجدت طريقة لـ«التعايش من خلال مشاركة عائدات تهريب المنتجات النفطية المدعومة بشكل كبير»، حسب «فاينانشيال تايمز».
وخلص أحدث تقرير للأمم المتحدة إلى أن تهريب الوقود من ميناء بنغازي القديم أتاح للقوات التابعة للمشير حفتر «وصولا غير مباشر إلى الأموال العامة»، بينما سيطرت الجماعات المسلحة في طرابلس والزاوية «بشكل مباشر على قطاعات اقتصادية رئيسية ومؤسسات حكومية ذات صلة لتهريب كمية كبيرة من الديزل».
كما وجد أن الشركة العامة للكهرباء في ليبيا، وهي شركة مملوكة للدولة مسؤولة عن توليد ونقل وتوزيع الكهرباء، هي «المصدر الرئيسي» للديزل المهرب خارج البلاد. ولم تستجب الشركة لطلب «فاينانشيال تايمز» للتعليق.
ورفعت الزيادة في الواردات تكلفة الدعم في اقتصاد ليبيا المتأزم. ففي خطاب إلى الدبيبة في مارس العام 2024، قال محافظ المصرف المركزي وقتها، الصديق الكبير، إن «التكلفة السنوية لواردات الوقود البالغة 8.5 مليار دولار تفوق احتياجات البلاد»، وأشار إلى أن الدعم تضاعف ثلاث مرات ليصل إلى 12.5 مليار دولار بين عامي 2021 و2023. وبلغت حصة دعم الوقود 8.4 مليار دولار من هذا الإجمالي السنوي.
كما بدأ ديوان المحاسبة تحقيقا العام الماضي. وكان من أهم نتائجه، الواردة في تقرير غير منشور حصلت عليه «فاينانشال تايمز»، أن واردات البلاد من الوقود بموجب مخطط المبادلة بلغت قيمتها 8.5 مليار دولار في العام 2023، مع تصدير أكثر من 8 مليارات دولار من النفط الخام لدفع ثمنها.
وجاء في نتائج التقرير: «وظفت ثماني شركات في التداول، ولا يُعد أي منها من كبار منتجي النفط أو مجموعات تداول السلع الأساسية، جميعها كيانات حديثة التأسيس وليس لها تاريخ يُذكر في صناعة النفط العالمية»، زاعما كذلك أنها «لم تخضع لإجراءات التأهيل المسبق القياسية ولكن قبلت وسجلت مباشرة بناء على توصية من رئيس مؤسسة النفط الوطنية».
وكشف كذلك أن غالبية الشركات الواردة في التقرير مقرها الإمارات، حيث يصعب الحصول على معلومات حول الملكية النهائية. وكانت شركة «غالف أبستريم أويل آند غاز كونسلتينج»، التي تأسست بالعام 2012، هي الشركة صاحبة أكبر حصة من واردات الوقود. ولم تستجب الشركة لطلبات «فاينانشال تايمز» للتعليق على هذا الأمر.
وقالت «فاينانشيال تايمز» إن «هيمنة الأطراف الإقليمية بدلا من الدولية في نظام المقايضة بشكله الراهن يعتبر سيئ السمعة في عديد من الأوساط». ونقلت عن أحد المدراء التنفيذيين النشطين في ليبيا إنه «كان على الليبيين البحث عن طرف أقل تحفظا من حيث المخاطرة».
وأضافت الجريدة أن من بين الشركات الوارد اسمها في تقرير ديوان المحاسبة هي شركة تجارة السلع التركية «بي جي إن»، يديرها الرئيس التنفيذي رويا بايجان. وبحسب التقرير، فقد حصلت ثلاث شركات تابعة لها ما قيمته 2.7 مليار دولار من الخام في 2023 بموجب نظام المقايضة، ما يمثل 30% من حجم التجارة.
ويرى تقرير «فاينانشيال تايمز» أنه لا توجد مؤشرات على نهاية قريبة لإساءة استخدام الثروة النفطية في ليبيا نتيجة الضغط المحلي أو الدولي.
وأشار إلى خطاب مرسل منتصف يناير الماضي من مكتب النائب العام، اطلعت عليه الجريدة، أمر مؤسسة النفط الوطنية «بالتوقف فورا عن ممارسات مقايضة النفط مقابل الوقود، واعتماد آليات تعاقد تضمن الشفافية في اتفاقات توريد الوقود»، ولفت أيضا إلى أن تهريب الوقود قد ارتفع بسبب نظام المبادلة، الذي أكد أنه «لا يضمن المصلحة العامة».
ونقلت الجريدة عن دبلوماسي غربي: «لقد تصاعد الضغط الدولي والداخلي. وربما دفع هذا مختلف الأطراف المستفيدة من النظام إلى اعتبار هذا هو الوقت المناسب للتوقف. فالخطر عليهم أكبر من نفعهم».
كما رجح مراقبون استمرار تدفق العائدات التي يولدها نظام مقايضة الخام مقابل الوقود حتى بالرغم من الجهود المبذولة للقضاء عليه. ويشير البعض إلى شركة «أركينو أويل»، التي تأسست بالعام 2023، والتي صدرت عدة شحنات نفطية منذ أوائل العام 2024.