تحظى جلسة مجلس النواب اللبناني المتوقع عقدها يوم الخميس في التاسع من الشهر الجاري لانتخاب رئيس جديد للبنان باهتمام محلي لبناني وعربي ودولي. وتأتي الجلسة المتوقعة وسط ضغوط مكثفة من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية لاختيار شخصية تتماشى مع مصالحهم الجيوستراتيجية، متجاهلين إرادة الشعب اللبناني. ونظرا لاستمرار غياب التوافق حول المرشح العتيد، وتصاعد الضغوط الخارجية للدفع قدماً بقائد الجيش العماد جوزيف عون، قد تتحول جلسة الخميس إلى جلسة لتصفية أسماء وليس لإنهاء الفراغ الرئاسي.
وحتى لو تم عقد الجلسة فهي ستعكس ميزان القوى بعد العدوان التدميري الذي شنه كيان العدوان الصهيوني مدعوما من الولايات المتحدة على لبنان..
وعلى الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الذي شاركت في صياغته الولايات المتحدة وفرنسا في أواخر شهر نوفمبر الماضي إلا أن كيان العدوان الصهيوني الذي يحتل أراض في جنوب لبنان ما يزال ينتهك الاتفاق بمواصلة اعتداءاته برا وجوا على لبنان، وهناك ما يشير إلى أنه قد لا ينسحب نهائيا من جنوب لبنان بعد مضي فترة الستين يوما التي حددها الاتفاق موعدا لانسحاب قواته نهائيا من لبنان.
ونقلت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن مصادر عسكرية قولها إن الجيش الإسرائيلي يعتزم البقاء في جنوب لبنان بعد فترة الستين يومًا “إذا لم يتمكن الجيش اللبناني من الوفاء بالتزاماته المدرجة في الاتفاق للسيطرة على الجنوب بأكمله”. ويعقد اليوم اجتماع لجنة الإشراف على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في رأس الناقورة بحضور المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين.
وتسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيون والسعودية ودول خليجية أخرى إلى جانب كيان العدوان الصهيوني إلى استغلال تراجع قوة المقاومة الإسلامية عسكريا وسياسيا المتمثلة في حزب الله ووقف إطلاق النار، ونجاح الحلف الأميركي التركي الصهيوني بإسقاط الدولة السورية وسيطرة الجماعات الإسلامية المسلحة بقيادة هيئة تحري الشام على السلطة في دمشق لتشكيل حكومة مؤيدة للولايات المتحدة وكيان العدوان الصهيوني وإنهاء النفوذ الإيراني في البلاد عبر حزب الله وحلفائه السياسيين.
ويذكر أن لبنان الذي طالما كان لعبة في مخططات القوى الإمبريالية والإقليمية الأوسع، بلا رئيس منذ أكثر من عامين بعد انتهاء ولاية ميشال عون في أكتوبر 2022، مما ترك البلاد بدون حكومة فعالة. لم تتمكن حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي، من فرض “الإصلاحات الاقتصادية” التي يطالب بها صندوق النقد الدولي ومؤسسات التمويل الدولية مقابل إعادة هيكلة ديون البلاد، في ظل الإفلاس والتضخم المتصاعد والفقر الجماعي الناجم عن نهب ثروة البلاد من قبل حفنة من المليارديرات الذين يديرون لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية في عام 1990.
وقد وصل المبعوث الأميركي ، آموس هوكشتين يوم الاثنين إلى بيروت التي يؤمها مبعوثون من السعودية وقطر ومصر. وكان هوكشتين زار الرياض ليلة الأحد والتقى وزير الخارجية فيصل بن فرحان. وتأتي كل هذه الزيارات بعد الزيارات الأخيرة لنائب القوات اللبنانية بيار بو عاصي وقائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون إلى السعودية.
يأتي ذلك بعد الزيارات الأخيرة لنائب القوات اللبنانية بيار بو عاصي وقائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون إلى السعودية.
فبعدما كان الوفد السعودي واضحا بتسويق اسم قائد الجيش رئيسا للجمهورية، من دون ان يمارس اي ترغيب او ترهيب على القوى اللبنانية المعنية، يفترض ان يكون المبعوث الاميركي عمليا في هذا المجال، فاذا طرح انتخاب عون يُنتظر ان يُقرنه بضمانات اميركية تلزم قوات الاحتلال الصهيوني بالانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة، مع انتهاء مهلة الستين يوما، كما بأخرى مرتبطة باعادة الاعمار. وتدعو الولايات المتحدة وأداتها الإسرائيلي الجيش اللبناني إلى تولي مسؤولية نزع سلاح حزب الله، بموجب شروط وقف إطلاق النار الذي فرضته واشنطن. وقد أيد زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي الدرزي وليد جنبلاط مؤخرًا ترشيح جوزيف عون.
وقد أوضح المبعوث السعودي، يزيد بن فرحان بعد جولة على قوى سياسية وكتل نيابية لبنانية، أن قائد الجيش مرشح أساسي لرئاسة الجمهورية، بناءً على المواصفات التي جرى التوافق عليها بين أعضاء اللجنة الخماسية (الولايات المتحدة وفرنسا ومصر والسعودية وقطر) المعنية بلبنان.
ومن بين من يبحث عن دعم عربي ودولي لترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية اللبنانية، سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، الميليشيا المسيحية السابقة المدعومة من كيان العدوان الصهيوني وهي الآن تتلقى دعما سعوديا. أما حزب الله فما يزال على موقفه المعلن بدعم حليفه سليمان فرنجية الذي كانت له علاقات وثيقة مع الرئيس السوري الأسد وإيران إذا ما واصل التمسك بترشحه لمنصب الرئيس، ومع ذلك، أشار نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني الذي يتحالف حزبه، حركة أمل مع حزب الله، إلى أن حزب الله مستعد ليكون أكثر “مرونة”. ويُقال إن هناك مرشحًا محتملاً آخر هو جهاد أزعور، مصرفي كبير في صندوق النقد الدولي.
وقد استبق حزب الله زيارة هوكشتاين (التي بدأت اليوم الاثنين) مرسلا اشارة ايجابية مرتبطة بالعماد عون، اذ قال مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، الذي زار يوم الأحد موقع استشهاد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في حارة حريك: «منفتحون على قائد الجيش العماد جوزيف عون، ولا فيتو سوى على سمير جعجع، لأنّه مشروع فتنة وحرب ». وتوجه لـ «الواهمين بأن حزب الله أصبح ضعيفا»، قائلا: «حزب الله لم يهزم ولن يهزم، وهو اقوى من الحديد لانه يستمد قوته من الله». وأوضح ان «ما بعد الستين يوما متروك لحزب الله وقيادته».
وتشير التطورات في بيروت إلى ان الامور لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات، لكن ما سيحمله ويطرحه هوكشتاين سيكون مفصليا، اذ سيتبين اذا كانت واشنطن تريد حقيقة انتخاب قائد الجيش، وهي عندئذ ستمارس اقصى الضغوط لذلك»، ورغم الضجة التي أثارتها إشارة صفا إزاء جعجع وعون فإنه لا يعني تغيّراً في موقف الحزب بأن مرشّحه المعلن الوحيد هو رئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية، و«لا يعني أن حزب الله يؤيّد قائد الجيش أو يرفضه»، وفق ما أعلن النائب حسين الحاج حسن لاحقاً أمس. وفي هذا السياق، فإن نفي صفا وجود فيتو على قائد الجيش لا جديد فيه، وينبغي أن يؤخذ بعموميته في سياق أن لا فيتو للحزب على أيّ مرشح تتوافق عليه الكتل النيابية.
ويسود اعتقاد لدى محللين أنه إذا استشعر الثنائي الشيعي (أمل وحزب الله) ان انتخاب عون مصلحة للبنان وللمقاومة باطار سلة متكاملة، تشمل الرئاسة والهدنة ودور حزب الله، فهو لن يتردد بالسير به ، خاصة انه يعي بذلك انه يقطع الطريق على طموحات جعجع الرئاسية، والتي يعتقد انه قادر على تعزيزها، اما من خلال انتظار عودة ترامب الى البيت الابيض، او من خلال انتخابات نيابية مبكرة تغير التوازنات البرلمانية الحالية».
وفي السياق ذانه ، قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الشهر الماضي بزيارة دولة إلى الرياض استمرت ثلاثة أيام، وهي الأولى لرئيس فرنسي منذ عام 2006، حيث سعى للحصول على دعم سعودي لإعادة إعمار لبنان. وقد أوضحت السعودية وقطر أنهما لن تقدما المساعدة للبنان لإعادة الإعمار إذا ظل حزب الله القوة المهيمنة في البلاد، مما يمنح من يصبح رئيساً ورئيساً للوزراء سلطات كبيرة على حزب الله وقدرة على الحد من نفوذه السياسي.
وقد تسبب العدوان الصهيوني العسكري على لبنان وخاصة غزوه البري لجنوب لبنان في أكتوبر الماضي في دمار واسع النطاق، لم يتم التطرق إليه كثيرًا. وأدى إلى تهجير أكثر من 1.2 مليون شخص، بينهم 400 ألف طفل، من سكان لبنان البالغ عددهم 6 ملايين نسمة. واستشهاد ما يزيد عن أربعة آلاف شخص، معظمهم من المدنيين، وأصيب أكثر من 16 ألف آخرين، وفقًا لوزارة الصحة. كما دُمِّر حوالي 250 ألف منزل بشكل كلي أو جزئي، وتضررت 20 ألف منشأة عامة، وأُغلقت مئات الشركات الصغيرة والمتوسطة. وفي الضاحية الجنوبية حيث معقل حزب الله فقد دمر العدوان الصهيوني الجوي أكثر من 400 مبنى وتضرر 1,500 مبنى آخر.
ووفقًا للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة (الإسكوا)، شمل هذا الدمار تدمير 13 مستشفى و130 سيارة إسعاف، وإغلاق 100 مركز رعاية صحية أولية، مما ترك أجزاء كبيرة من السكان دون وصول إلى الرعاية الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، زاد الاكتظاظ في الملاجئ (حيث بلغت 908 من أصل 1,095 ملجأً طاقتها القصوى) من خطر الأمراض المعدية وزاد من الاحتياجات الصحية.
وتُقدر تكلفة إعادة الإعمار بحوالي 13 مليار دولار، مع الإشارة إلى أن هذا ليس الرقم النهائي، حيث تواصل إسرائيل غاراتها الجوية على لبنان في تحدٍ لوقف إطلاق النار لمدة 60 يومًا وانسحاب القوات الإسرائيلية الذي وضعته واشنطن في أواخر نوفمبر. وتقول السلطات اللبنانية أن هناك أكثر من 300 انتهاك إسرائيلي لاتفاق وقف إطلاق النار.
أما الولايات المتحدة فقد قدمت تمويلاً لقوات الأمن اللبنانية بلغ 3 مليارات دولار منذ عام 2006 كجزء من برنامج مساعدات بقيمة 10 مليارات دولار للبنان، وفقاً لجلسة استماع في الكونغرس عام 2020، وهو مبلغ يوازي تقريباً دعم إيران. في يناير 2023، أعلنت حكومة الرئيس جوزيف بايدن أنها بالإضافة إلى توفير المعدات العسكرية، ستدفع أيضاً الجزء الأكبر من رواتب الجيش اللبناني بالدولار ، بتكلفة 72 مليون دولار، بعد انهيار العملة اللبنانية. وتوجد قوات أميركية متمركزة في مطارين عسكريين لبنانيين بالقرب من بيروت، حيث شوهدت طائرات عسكرية كبيرة من طراز C130 تهبط هناك.
واشنطن-محمد دلبح