أصدرت المملكة العربية السعودية والصين وإيران بيانا ثلاثيا، اليوم الجمعة، بشأن عودة العلاقات بين الرياض وطهران.
وقال البيان إنه: «استجابةً لمبادرة كريمة من الرئيس شي جين بينج رئيس جمهورية الصين الشعبية بدعم الصين لتطوير علاقات حسن الجوار بين المملكة العربية السعودية وإيران، وبناءً على الاتفاق بين الرئيس شي جين بينج وكل من قيادتي المملكة العربية السعودية وإيران، بأن تقوم الصين باستضافة ورعاية المباحثات بين المملكة وإيران، ورغبة منهما في حل الخلافات بينهما من خلال الحوار والدبلوماسية في إطار الروابط الأخوية التي تجمع بينهما، والتزاماً منهما بمبادئ ومقاصد ميثاقي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، والمواثيق والأعراف الدولية، فقد جرت في الفترة من 6 – 10 مارس/آذار 2023 في بكين، مباحثات بين وفدي البلدين برئاسة الدكتور مساعد بن محمد العيبان، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء، مستشار الأمن الوطني في السعودية، والأدميرال علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران».
وأضاف البيان: «أعرب الجانبان السعودي والإيراني عن تقديرهما وشكرهما لجمهورية العراق وسلطنة عمان لاستضافتهما جولات الحوار التي جرت بين الجانبين خلال عامي 2021 – 2022، كما أعرب الجانبان عن تقديرهما وشكرهما لقيادة وحكومة جمهورية الصين الشعبية على استضافة المباحثات ورعايتها وجهود إنجاحها».
وكانت شعرة معاوية قد قُطعت بين الرياض وطهران عام 2016 عندما أعلنت الرياض قطع علاقاتها مع طهران بعد هجوم متظاهرين على السفارة السعودية في العاصمة الإيرانية ردًا على إعدام الرياض لرجل الدين الشيعي المعارض نمر باقر النمر.
ويلقي موقع الغد، في التقرير التالي، الضوء على مجهودات الوساطة التي قدمتها دول الوساطة الثلاث: الصين، عمان، والعراق
«الحكمة الصينية».. العمل على رأب الصدع
خلال مشاركة الرئيس الصيني، شي جين بينج، في القمة العربية الصينية، التي استضافتها العاصمة السعودية الرياض، في 8 ديسمبر/كانون الأول 2022، ورغم بيان القمة، الذي طالب طهران بالالتزام بسياسة حسن الجوار، دار الحديث عن إمكانية أن تلعب بكين دورًا فاعلًا في التقريب بين إيران ودول الخليج، خاصة أن لديها علاقات إيجابية مع كلا ضفتي الخليج.
وعزز هذه الرؤية تصريح وزير الخارجية السعودي بعدها بأن «إيران جزء من المنطقة وجارة، وسنستمر في مد اليد، سعيًا لعلاقة إيجابية تخدم استقرار المنطقة ورفاهية شعوبنا»، ما شحذ تكهنات بشأن إمكانية أن تلعب الصين دورًا في الحوار السعودي الإيراني، في ظل مساعيها لتدعيم نفوذها في المنطقة، بعد تراجع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة.
وتتمتع الصين بثقة واحترام كلٍّ من إيران ودول الخليج، إذ إنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتدعو دائماً إلى حل الخلافات عبر الحوار، ولا تقف إلى جانب دولة ضد دولة أخرى، وتحاول دائماً أن توازن في علاقاتها الخارجية.
وترتبط الصين بعلاقات جيدة مع كلٍّ من إيران والسعودية، فالأخيرة هي أكبر مصدر للنفط إلى الصين، وتربطها بها علاقات اقتصادية متينة، كما أنَّ الصين هي أكبر مستورد للنفط الإيراني. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 15.795 مليار دولار أمريكي في عام 2022، بزيادة 7% عن عام 2021.
وكان من مصلحة الصّين تخفيف التوترات بين إيران ودول الخليج لضمان أمن الطاقة وإنجاح مبادرة “الحزام والطريق”، ولكن ليس من السهل أن تنجح في ذلك، فالولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح بإنجاح المبادرة الصينية لتحسين العلاقات بين إيران والسعودية، وبالتالي تعزيز الحضور الصيني في المنطقة.
ففي أثناء أثناء زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الصين عام 2019، عادت الأخيرة وأعلنت استعدادها لأداء دور الوسيط لحل الخلافات مع إيران، وأيضاً طرحت مبادرة في أثناء زيارة وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي إلى بكين في أوائل العام الماضي.
المبادرة الصينية كانت على مرحلتين؛ تقوم الأولى على عقد لقاء بين وزيري خارجية إيران والسعودية. وفي المرحلة الثانية، تتم دعوة بقية دول مجلس التعاون الخليجي إلى قمة خليجية إيرانية تعقد في الصين.
العراق.. حدود مشتركة بين البلدين وحاضنة جولات التفاوض
استضاف العراق على أرضه، جولات سرية للحوار السعودي الإيراني، بدءا من 9 أبريل/نيسان 2021، حيث كانت أولى الجلسات، وبحضور رئيس المخابرات السعودية خالد حميدان، ونائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد عرفاني.
وكان رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي قد نقل لإيران نقاطا من السعودية بشأن المحادثات الثنائية، وفي حينها، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، خلال مؤتمر صحفي إن “زيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى إيران، تهدف لإحياء المحادثات السعودية – الإيرانية”.
وأضاف، أن “الجانب السعودي مستعد لمواصلة المحادثات على المستوى الدبلوماسي في بغداد”، مبيناً، أن “الكاظمي نقل نقاطاً من السعودية بشأن المحادثات الثنائية”.
أما رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني، فقد استخدم ورقة التقريب بين طهران والرياض، من أجل تحقيق التوازن في علاقات العراق الخارجية، وهي الورقة، التي استخدمتها حكومة سلفه، مصطفى الكاظمي. وأعلنت حكومة السوداني، منذ تشكيلها في أكتوبر/تشرين الأول 2022، عزمها الاستمرار بمبادرة الحوار بين الرياض وطهران.
وبعد 5 جولات تفاوضية بين الرياض وطهران، برعاية عراقية، أعرب السوداني عن أمله في عقد اجتماع جديد بين السعودية وإيران في بغداد، خلال الأسابيع المقبلة. وحسب ما نقلته وكالة أنباء “فارس”، شدد السوداني على حرص الدولتين على استئناف هذه الاجتماعات، برعاية العراق.
سلطنة عمان.. وسياسة الحياد والوساطة
لسلطنة عمان تاريخ ممتد في لعب دور “الوسيط” بين الأطراف المتنازعة، وقد عبر الكاتب العماني إسماعيل بن صالح الأغبري عن ذلك عندما كتب: دبلوماسية سلطنة عمان رتق لما انفتق وجمع لما تفرق وتقريب لما تباعد وجمع لمن تنازع وتلاق لمن تفرق وهو مسلك متأصل السعي لرأب الصدع بين الدول غاية الحراك الهادئ من أجل رص الصفوف سمة لها مميزة واليوم عادت المياه لمجاريها بين السعودية وإيران.
دبلوماسية سلطنة عمان رتق لما انفتق وجمع لما تفرق وتقريب لما تباعد وجمع لمن تنازع وتلاق لمن تفرق وهو مسلك متأصل السعي لرأب الصدع بين الدول غاية الحراك الهادئ من أجل رص الصفوف سمة لها مميزة واليوم عادت المياه لمجاريها بين السعودية وإيران#د_إسماعيل_الأغبري
— د إسماعيل الاغبري (@nizwa9921) March 10, 2023
ففي فبراير/شباط 2022 أجرى وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي مباحثات في طهران مع عدد من كبار المسؤولين بمن فيهم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.
وفي المؤتمر الصحفي الذي أعقب ذلك اللقاء، أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان استعداد بلاده لأي مبادرة إقليمية تساعد في تنمية الأمن والمزيد من النمو الاقتصادي والإنساني في المنطقة، من دون أن يفصح صراحة عن وجود مبادرة عمانية أو دور عماني في حلحلة الأزمة بين إيران والمملكة.