وصف المدون

عاجل الأن

 



إن تنفيذ العمل الإرهابي, في حدّ ذاته , مهما كان نوعه, يمثّل المرحلة الأخيرة من منظومة عقائديّة متكاملة متعددة المستويات و متنوعة الأبعاد. فالعمل الإرهابي المفضي إلى القتل الفردي أو الجماعي يحمل في طياته خرقا لمبدأ رئيسي في المنظومة القيميّة الإسلاميّة و هو مبدأ قدسيّة الحياة البشرية : " من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا" – " سورة المائدة – آية 32

يبدو, إذا, و في سياق المفارقات التي يجب التوقف عندها، أن الإرهابي الذي يقتل شخصا و يعرض نفسه للقتل بموجب ذلك, أو يفجر نفسه ليقتل مجموعة من الأشخاص و يقضي معهم , يرجو الثواب و الجنة بتلك الفعلة و لو لم يكن على يقين من أنه سيعبر إلى حياة أفضل من الحياة التي عرفها لما أقدم على قتل الناس و قتل نفسه معهم. و لكن, وفي نفس الوقت, فالإرهابي غير قادر بمؤهلاته الذاتية على خرق مبدأ قدسية الحياة البشرية. ممّا يستفاد معه أن ّهنالك, إذا, منظومة فكريّة توهمه بأن عملا من المفروض أن يودي به في نار جهنم (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [سورة النساء ـ الآية 93،يتحوّل إلى عمل يعبر به إلى الجنّة

و يترتب , بداهة, عن ذلك, أنه من المستحيل أن يقدم إرهابيّ منتظم في تنظيم يرتكز على إيديولوجية تنسب نفسها إلى الإسلام على عمل إرهابيّ دون أن يقتنع إقتناعا يرقى إلى مستوى اليقين أن عمله هذا سيدخله الجنة و سيعبر به إلى السعادة الأبدية ممّا يستوجب إضفاء الشرعية الدينية على الأعمال الإرهابية من خلال إباحة دماء الضحايا المحتملين و تبرير ذلك بإدخال هذه الأعمال تحت طائلة مفهوم الجهاد في سبيل الله و تحت طائلة عدم تمتعهم بعصمة الدم و المال و العرض , و عدم جواز و نفاذ " الأمان" ( إذن بالدخول في البلاد) الذي تعطيه الدول الإسلامية لزوّارها , من خلال أعوانها, بناءا على أنها دولة كافرة ، و، كذلك، من خلال إباحة دماء أشخاص هم في الظاهر مسلمون و ذلك بتكفيرهم بناءا على أسانيد شرعية يعتمد عليها علماء السوء الذين يؤطرون هؤلاء عقائديا, علما و أنه لا يمكن أخذ القرار بقتلهم قبل إباحة دمهم بناءا على فتوى تكفّرهم و تصنّفهم في خانة الأعداء المحاربين للإسلام و الساعين في الأرض فسادا , و ذلك لكي لا يقع العمل الإرهابي الذي يستهدفهم تحت طائلة الآية : (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [سورة النساء ـ الآية 93 أو الحديث :" كل المسلم على المسلم حرام , دمه و ماله و عرضه"، بل يصبح مندرجا, بعد فتوى التكفير و إباحة الدم بناءا على العداوة للإسلام أو الفساد في الأرض, تحت طائلة الآية: " إنّما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أ، يقتّلوا أو يصلّبوا..."- سورة المائدة - الآية 33

فضلا عن ذلك، فإنّ الإقدام على عمل إرهابيّ يستوجب مخالفة عدد كبير من الآيات القرآنيّة الواضحة و الصريحة، من ذلك أنّ القرآن تضمّن آية واضحة تَسُوس العلاقات التي تعْقدُ, على المستوى الفردي أو الجماعي, بين المسلمين و غير المسلمين و الآية المرجعيَّة,في هذا الخصوص, تَنُصُّ على أنَّه: ‹‹لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فَي الدِّينِ و لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ و تقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ›› . (الممتحنة- الآية 8 و 9)

أمّا فيما يتعلّق بالأعمال القتاليّة ، بالتحديد، فالآية 190 من سورة البقرة تنصّ على ما يلي : " و قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم و لا تعتدوا- إن الله لا يحب المعتدين"، و أوّل ما يستفاد من قراءة هذه الآية هو ضرورة أن لا تشمل آثار العنف الحربي إلا المقاتلين, دون سواهم. 

مما يستنتج معه ضرورة إقامة تمييز جوهري و أساسي بين المقاتلين و غير المقاتلين. كما تفرض هذه الآية, أيضا, إلتزاما عاما بعدم الإعتداء في عهدة المقاتلين المسلمين مفاده إخراج الذين لا يقاتلونهم من دائرة الإستهداف بالأعمال الحربية و إدراجهم في من يمتد إليهم مفعول الحماية من ويلات القتال . إلا أنّه من المعلوم أن العمل الإرهابي لا يفرّق بين المقاتلين و غير المقاتلين و لا يكترث بحماية الأطفال و النساء و الشيوخ من آثاره . لذا ، و لغرض " فسح المجال " أمام الأعمال الإرهابية العشوائية، التي تخالف، صراحة ، ما هو وارد في كتاب الله، و إضفاء الشرعية عليها، وجب الإستناد إلى أسس مستلهمة من الفقه التقليدي توعز للإرهابي بأنّه على شريعة من أمره، و تتمحور هذه الأسس حول مسألة تأويل آية السيف. تنصّ الآية الخامسة من سورة التّوبة, المعروفة لدى الفقهاء تحت مسمى " آية السّيف" على ما يلي: " فإذا إنسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و خذوهم و احصروهم و اقعدوا لهم كلّ مرصدا..." 

و قد إعتبر جمهور الفقهاء التقليديّون أن هذه الآية نسخت كلّ الآيات المخالفة لمدلولها ، سيما الآية 190 من سورة البقرة و الآيتين 8 و 9 من سورة الممتحنة، و تبعا لذلك, فإنه يجوز ، بل يجب إستهداف كلّ غير المسلمين بالقتال حتى" يفيئوا إلى أمر الله". 

في تفاسيرهم للقرآن, يورد إبن كثير و القرطبي و إبن العربي و الدمشقي و غيرهم, رأي عدّة فقهاء في أن الآية 190 من سورة البقرة قد نسختها آية "السّيف" و الآية 36 من سورة التّوبة : " و قاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافّة" . عند المقري, فإن الآية 190 من سورة البقرة نسختها ثلاثة آيات أخرى, و هي: - " فمن إعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما إعتدى عليكم " – البقرة –الاية 194

الدكتور عدنان ليمام 


إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button

يمكنكم متابعتنا

يمكنكم متابعتنا