خطورة تعذيب المشتبه فيهم في جرائم ارهابية او غيرها عند الاستنطاق، لا تكمن فقط في اعتداء على ذات إنسانية قد تكون بريئة، لان هذا الدفع قد لا يقنع عموم الشعب المغتاظ من الاٍرهاب فحتما لن يبدي اي تعاطف مع ارهابي وقع تعذيبه، فهَوْل جرائمه قد تدفع الشعب الى التشفي منه وتبرير تعذيبه، لكن الخطورة التي تدفعنا الى رفض التعذيب، هو تداعيات التعذيب على سير التحقيقات وإمكانية تحريفها للوقائع بما يخشى معه الانحدار في منحى تحقيقي خاطئ، يدين من لم يقترف الجريمة الإرهابية، ويحجب الرؤية عن كشف الفاعل الحقيقي.
التعذيب لا يُسلَّط تنكيلا بالمتهم وتشفيا منه لقاء ما اقترفه من جرم، فهذا سيتم لاحقا بموجب الحكم القضائي، لكن التعذيب يمارسه الباحث أو المحقق لجمع الأدلة وللظفر باعترافات او شهادات تؤسس لفهم سيناريو ارتكاب الجريمة، والتي لا بد ان يكون تشخيصها صحيحا وموضوعيا وسالما من التناقض والهنات والاستحالات، ولذلك فالملاحظة المنطقية التي تتبادر الى ذهننا ان الباحث او المحقق الذي يعمد الى تعذيب ذي الشبهة، إنما يفعل ذلك لافتقاره لعناصر إدانة مادية وقوية تغنيه عن انتزاع اعترافات بطريقة عنيفة. وهنا يثور التساؤل ما الضامن في ان تصريحات منتزعة تحت التعذيب هي تصريحات ذات مصداقية وتكشف الحقيقة؟.
إذا ما علمنا ان التعاطي مع المسألة الإرهابية يفرض صراعا بين العقول، عقول الخير من جهة، ممثلة باجهزة الأمن والقضاءالمدافعة عن مكاسب المجتمع واستقرار الدولة، في مواجهة عقول الشر ممثلة في عصابات ارهابية محنكة ومدربة على المناورة والتكتم والمباغتة، تهدف الى بث الرعب والفوضى والتمرد على نظم المجتمع، يصبح الخطأ في البحث او التحقيق ذا عواقب وخيمة، لانه يعني ادانة من لم يقترف الجريمة الإرهابية وتفصي الجاني الحقيقي من تبعة العقاب وبقاءه حرا طليقا يخطط لارتكاب جريمة اخرى بعيدا عن الأنظار.
التعذيب يدفع الباحث او المحقق الى التقاعس عن الانتباه للثغرات الموجودة في تصريحات منتزعة تحت التعذيب، فينتهي الى نتائج خاطئة.
التعذيب همّه الأكبر الظفر باعترافات، دون حاجة لعناصر تقصّ واثبات تعتمد على وسائل الاثبات الحديثة المرتكزة على خبرات الشرطة الفنية والعلمية، في حين ان الاعتراف ليس سيد الأدلة في المادة الجزائية كما قد يتوهم البعض. فالاعتراف غير المدعوم بعناصر إثبات مادية خارجية عنه يبقى مشوبا بالشك والريب. اعتراف ذي الشبهة قد يكون مناورة منه لصرف أنظار الباحث عن كشف وقائع اخطر مقابل ابتهاجه بانتزاعه اعترافات حول جريمة اقل خطورة، كما ان الاعتراف يمكن ان يكون تضحية من ذي الشبهة ليلبس نفسه الجريمة بدل الفاعل الحقيقي ذي النفوذ الأعظم، سواء أكان ذلك اقتناعا من ذي الشبهة بتقديم مثل هذه التضحية، إنقاذا للفاعل الحقيقي، او انه واقع تحت تأثير تهديد خفي من الفاعل الحقيقي.
في كل الأحوال فالاعتراف، سواء أكان هادئا او تحت التعذيب، يبقى خاضعا للتمحيص والتنظير والتحليل على ضوء عناصر مادية وموضوعية خارجة عن إرادة ذي الشبهة، وهذا هو جوهر التحقيق القضائي.
إذكاء نار الفتنة اليوم بين اجهزة الأبحاث الأمنية من جهة وبين مؤسسة القضاء بمختلف مراحله، إنما هو بمثابة الهدية الثمينة التي نقدمها للارهابيين، فأي رجاء بالنسبة اليهم اثمن من ان يوقعوا العداوة والبغضاء بين الجهازين الحاسمين في الحرب ضدهم؟؟؟.
بقلم الاستاذ اكرم الزريبي