تونس تعاني من أوضاع سياسية مضطربة، وتحتاج إلى سياسيين محنكين، مرنين يعرفون فن التفاوض. ويعرفون كيف ينجحون في آداء مهامهم سواء داخل البلد أو خارجها. الأشخاص الذين يحتلون مناصب عليا في الدولة، يُفترض فيهم حدّ معقول من المعرفة بوظائفهم وبمعايير العمل الحكومي. تُفترض فيهم موهبة القيادة التي تمكنهم من مواجهة التطورات والمنعطفات والأحداث السياسية، ومن ذلك الإقدام على أخذ القرار الشجاع في آوانه. من غير المجدي أن نجد وزير التشغيل (مثلا)، لا يعرف آثار البطالة والخصاصة على العلاقات الاجتماعية وعلى الأمن والاستقرار. ولا يفهم علاقة الدولة التونسية بشركائها الاجتماعيين، الذين (((يجب عليه التفاهم معهم))) حتى ينجح في تسيير الوزارة وتنفيذ سياسة الحكومة. ولا ينفع أن نسمّي وزيرا للخارجية (مثلا) لا يفهم أولويات بلاده، وعلاقة الدولة التي يمثلها بجيرانها وبالمنظومة الدولية، ولا يعرف بدقة وظائف الدبلوماسية، ولم يطّلع على علم السياسة المقارن، والعلاقات بين الأمم والتطورات السياسيّة، والقوانين الدوليّة، وتاريخ الفكر السياسي. ولا يجوز تسمية وزيرا للداخلية لا يفهم ما معنى الدراسة الاستقرائية للظواهر السياسية، ومنها الأحزاب، والرأي العام، وجماعات الضغط، وغيرها من الأمور التي تحتاج اقتدارا علميا ومنهجيا على دراسة القضايا الأمنية والرياضيات الإحصائية والوقائع والجزئيات. وكذلك منظومة الحقوق والحريات. وفي نفس السياق رئيس الحكومة، المسؤول الأوّل على الإدارة التونسية يجب أن تكون له دراية محترمة بكل ما يتصل بالحكم والإدارة والاستراتيجيا والأمن القومي والتخطيط والمالية والتعاون الدولي وحقوق الإنسان، وكذاك مساقات الاعلام والجغرافيا السياسية، وإدارة المؤسسات والدبلوماسية والبرتوكول الدولي...باختصار تونس تحتاج مسؤولين يعرفون المجتمع والدولة. ويعرفون الخارج القريب والبعيد، وكيف تُركّب المعادلات المحلية والاقليمية والدولية. ويعرفون تأثير الصورة على الرأي العام. ويعرفون الإعلام السياسي، وعلم النفس السياسي، والاقتصاد السياسي، ونماذج الأنظمة، والانتخابات، والأحزاب، وكيفية اتخاذ القرارات، ودلالات الاحتجاجات، والعنف السياسي والإرهاب، وكيف يمكن مواجهتها بأقل الأضرار وامتصاص تداعياتها. والحقيقة أن هذه الأمور لا يُفترض توفرها في الوزراء وحسب. بل أيضا في مدراء الوزارات وكاتب عام الحكومة، ومحافظ البنك المركزي، والسفراء، والمشرفين على أعمال الاتصالات الإدارية، والشؤون البلدية، والتصرف في الميزانية، والتخطيط والتنظيم، ومتفقدي جميع دوائر الدولة، بما في ذلك المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن ومراكز البحوث و الدراسات الاستيراتيجية. وحتى في القطاع الخاص، سواء في باب التسيير، أو في باب تحليل الأزمات والمخاطر الاستثمارية والقوانين الاقتصادية وقضية التنموية. إلى جانب المؤهلات العلمية، يتوجب توفر مؤهلات ومواهب شخصية حتى يمكننا الحديث عن كفاءات وطنية. بحيث لابد للمسؤول في الدولة أن يتمتع بسمات قيادية، أن يكون منفتحا في علاقاته، أن يمتاز بالهدوء. أن يمتلك سمات الشخصية الواضحة المُطَمْئِنة. أن يتقبل النقد والآراء المضادة. أن يكون مرنا ونزيها ومفاوضا بارعًا. أن يكون مثقفا عارفا بتاريخ بلاده وتضاريسها السياسيه. له القدرة على التعامل مع ثقافات وجنسيات مختلفة. أن يتمتع بالقدرة على الكتابة الابداعية والقراءة الدقيقة والتفكير الناقد السريع. أن يكون لديه الحس التحليلي للأحداث والأخبار والمعلومات. أن يكون متمكنا من مهارات الاتصال والتواصل، والقدرة على التأثير، وعلى التعامل مع الشخصيات المختلفة ومعرفة أنماطها. أن يكون بليغا قادرا على الخطابة والحديث للمحاورين، وللناس في المؤتمرات والمنابر الاعلامية المختلفة. أن يتمتع بالقدرة على الحفظ والاستيعاب والتحليل والربط المعرفي. أن يكون مثابرا وموهوبا في مساعدة المجتمع.نقول هذا الكلام حتى نفهم أحد أسباب الإخفاقات المتتالية، ونفهم أن الدّولة التونسية ليست لعبة، وأن تسييرها يتطلب تدقيقا وفرزا للمسؤولين. وبمناسبة الحديث عن الكفاءة والأهلية، إضراب اليوم 16 جوان 2022 لم يكن هدفًا للاتحاد. ولم تكن غايته سياسية كما تُروّج هذه الحشود المنفلتة في مواقع التواصل الاجتماعي. بل كان التلويح به وسيلة ليس لتحقيق كل المطالب، بل للتفاوض وتحقيق جزءً منها. وكان بإمكان الفريق الحكومي تفهّم الطّرف النقابي، لإيجاد حلّ معقول يلغي الإضراب، فيما لو تمّ النظر لمطالب الاتحاد بشيء من الواقعية، وتوفّرت المقدرة على إدارة المفاوضات ببراعة وجدّية. ولكن مع الأسف كان هنالك نوعا من التّمترس والشعور بالقوّة والاستخفاف بالاتّفاقيات المُمضاة، و(((التعويل على التّسخير))) والاكتفاء بالتحدي والهروب إلى الأمام. الآن حدث ما حدث. ومن الحكمة أن تنتبه الحكومة إلى ضرورة تطويق التوتّر مع الآتحاد. وان تدرك أن النتائج السياسية للتّسخير أسوأ من نتائج الإضراب. وأنّ المنظمة الشغيلة في تونس جزء من النظام العام وعمود من أعمدة الاستقرار. وان سياسة القوة تجاهها، أدّت دائما وأبدا إلى دخول السلطة في معركة ضد نفسها، لا تنتهي. أما من ناحية العُرف والقانون، فالمعايير الدولية تؤكد أنه لا يمكن وقف أو منع إضراب أو جزء منه إلا إذا كان يهدد حياة الناس، وإضراب اليوم لا يُهدد حياة الناس. على أن تراتيب الإضراب التي دأب الآتحاد على تطبيقها، تستثني أقسام الاستعجالي وقاعات الإنعاش وحالات التدخل الطارئة والصعبة، وجميع مصالح التدخلات السريعة في الكهرباء والغاز واستهلاك الماء لأنها تمس من حياة الناس وأمنهم مباشرة.من الناحية العملية وفي علاقة بضرورة المحافظة على مناخ اجتماعي يسمح بمعالجة المصاعب، التساخير هدفها ضرب العمل النقابي وعرقلته وإرهاب العاملين لمنعهم من ممارسة حقهم في الإضراب، خاصة وأن الأمر عدد 50 المؤرخ في 26 جانفي 1978 يحمل ذكرى مأساوية تستفزّ النقابيين وتذكرهم بشهداء الخميس الاسود، إذ هدف ذلك الأمر إلى ضرب الاتحاد وإيجاد "الإطار القانوني" للزج بالنقابيين في السجون وطردهم من العمل. ولا أعتقد أن التمسك به سيساعد على إعادة الثقة الضرورية بين الحكومة والاتحاد. بل سيكون تعنُّتًا فارغًا وإضعافا للحكومة، لا أكثر ولا أقل.
تونس تعاني من أوضاع سياسية مضطربة، وتحتاج إلى سياسيين محنكين، مرنين يعرفون فن التفاوض. ويعرفون كيف ينجحون في آداء مهامهم سواء داخل البلد أو خارجها.
الأشخاص الذين يحتلون مناصب عليا في الدولة، يُفترض فيهم حدّ معقول من المعرفة بوظائفهم وبمعايير العمل الحكومي. تُفترض فيهم موهبة القيادة التي تمكنهم من مواجهة التطورات والمنعطفات والأحداث السياسية، ومن ذلك الإقدام على أخذ القرار الشجاع في آوانه.
من غير المجدي أن نجد وزير التشغيل (مثلا)، لا يعرف آثار البطالة والخصاصة على العلاقات الاجتماعية وعلى الأمن والاستقرار. ولا يفهم علاقة الدولة التونسية بشركائها الاجتماعيين، الذين (((يجب عليه التفاهم معهم))) حتى ينجح في تسيير الوزارة وتنفيذ سياسة الحكومة.
ولا ينفع أن نسمّي وزيرا للخارجية (مثلا) لا يفهم أولويات بلاده، وعلاقة الدولة التي يمثلها بجيرانها وبالمنظومة الدولية، ولا يعرف بدقة وظائف الدبلوماسية، ولم يطّلع على علم السياسة المقارن، والعلاقات بين الأمم والتطورات السياسيّة، والقوانين الدوليّة، وتاريخ الفكر السياسي.
ولا يجوز تسمية وزيرا للداخلية لا يفهم ما معنى الدراسة الاستقرائية للظواهر السياسية، ومنها الأحزاب، والرأي العام، وجماعات الضغط، وغيرها من الأمور التي تحتاج اقتدارا علميا ومنهجيا على دراسة القضايا الأمنية والرياضيات الإحصائية والوقائع والجزئيات. وكذلك منظومة الحقوق والحريات.
وفي نفس السياق رئيس الحكومة، المسؤول الأوّل على الإدارة التونسية يجب أن تكون له دراية محترمة بكل ما يتصل بالحكم والإدارة والاستراتيجيا والأمن القومي والتخطيط والمالية والتعاون الدولي وحقوق الإنسان، وكذاك مساقات الاعلام والجغرافيا السياسية، وإدارة المؤسسات والدبلوماسية والبرتوكول الدولي...
باختصار تونس تحتاج مسؤولين يعرفون المجتمع والدولة. ويعرفون الخارج القريب والبعيد، وكيف تُركّب المعادلات المحلية والاقليمية والدولية. ويعرفون تأثير الصورة على الرأي العام. ويعرفون الإعلام السياسي، وعلم النفس السياسي، والاقتصاد السياسي، ونماذج الأنظمة، والانتخابات، والأحزاب، وكيفية اتخاذ القرارات، ودلالات الاحتجاجات، والعنف السياسي والإرهاب، وكيف يمكن مواجهتها بأقل الأضرار وامتصاص تداعياتها.
والحقيقة أن هذه الأمور لا يُفترض توفرها في الوزراء وحسب. بل أيضا في مدراء الوزارات وكاتب عام الحكومة، ومحافظ البنك المركزي، والسفراء، والمشرفين على أعمال الاتصالات الإدارية، والشؤون البلدية، والتصرف في الميزانية، والتخطيط والتنظيم، ومتفقدي جميع دوائر الدولة، بما في ذلك المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن ومراكز البحوث و الدراسات الاستيراتيجية. وحتى في القطاع الخاص، سواء في باب التسيير، أو في باب تحليل الأزمات والمخاطر الاستثمارية والقوانين الاقتصادية وقضية التنموية.
إلى جانب المؤهلات العلمية، يتوجب توفر مؤهلات ومواهب شخصية حتى يمكننا الحديث عن كفاءات وطنية. بحيث لابد للمسؤول في الدولة أن يتمتع بسمات قيادية، أن يكون منفتحا في علاقاته، أن يمتاز بالهدوء. أن يمتلك سمات الشخصية الواضحة المُطَمْئِنة. أن يتقبل النقد والآراء المضادة. أن يكون مرنا ونزيها ومفاوضا بارعًا. أن يكون مثقفا عارفا بتاريخ بلاده وتضاريسها السياسيه. له القدرة على التعامل مع ثقافات وجنسيات مختلفة. أن يتمتع بالقدرة على الكتابة الابداعية والقراءة الدقيقة والتفكير الناقد السريع. أن يكون لديه الحس التحليلي للأحداث والأخبار والمعلومات. أن يكون متمكنا من مهارات الاتصال والتواصل، والقدرة على التأثير، وعلى التعامل مع الشخصيات المختلفة ومعرفة أنماطها. أن يكون بليغا قادرا على الخطابة والحديث للمحاورين، وللناس في المؤتمرات والمنابر الاعلامية المختلفة. أن يتمتع بالقدرة على الحفظ والاستيعاب والتحليل والربط المعرفي. أن يكون مثابرا وموهوبا في مساعدة المجتمع.
نقول هذا الكلام حتى نفهم أحد أسباب الإخفاقات المتتالية، ونفهم أن الدّولة التونسية ليست لعبة، وأن تسييرها يتطلب تدقيقا وفرزا للمسؤولين. وبمناسبة الحديث عن الكفاءة والأهلية، إضراب اليوم 16 جوان 2022 لم يكن هدفًا للاتحاد. ولم تكن غايته سياسية كما تُروّج هذه الحشود المنفلتة في مواقع التواصل الاجتماعي. بل كان التلويح به وسيلة ليس لتحقيق كل المطالب، بل للتفاوض وتحقيق جزءً منها. وكان بإمكان الفريق الحكومي تفهّم الطّرف النقابي، لإيجاد حلّ معقول يلغي الإضراب، فيما لو تمّ النظر لمطالب الاتحاد بشيء من الواقعية، وتوفّرت المقدرة على إدارة المفاوضات ببراعة وجدّية. ولكن مع الأسف كان هنالك نوعا من التّمترس والشعور بالقوّة والاستخفاف بالاتّفاقيات المُمضاة، و(((التعويل على التّسخير))) والاكتفاء بالتحدي والهروب إلى الأمام.
الآن حدث ما حدث. ومن الحكمة أن تنتبه الحكومة إلى ضرورة تطويق التوتّر مع الآتحاد. وان تدرك أن النتائج السياسية للتّسخير أسوأ من نتائج الإضراب. وأنّ المنظمة الشغيلة في تونس جزء من النظام العام وعمود من أعمدة الاستقرار. وان سياسة القوة تجاهها، أدّت دائما وأبدا إلى دخول السلطة في معركة ضد نفسها، لا تنتهي.
أما من ناحية العُرف والقانون، فالمعايير الدولية تؤكد أنه لا يمكن وقف أو منع إضراب أو جزء منه إلا إذا كان يهدد حياة الناس، وإضراب اليوم لا يُهدد حياة الناس. على أن تراتيب الإضراب التي دأب الآتحاد على تطبيقها، تستثني أقسام الاستعجالي وقاعات الإنعاش وحالات التدخل الطارئة والصعبة، وجميع مصالح التدخلات السريعة في الكهرباء والغاز واستهلاك الماء لأنها تمس من حياة الناس وأمنهم مباشرة.
من الناحية العملية وفي علاقة بضرورة المحافظة على مناخ اجتماعي يسمح بمعالجة المصاعب، التساخير هدفها ضرب العمل النقابي وعرقلته وإرهاب العاملين لمنعهم من ممارسة حقهم في الإضراب، خاصة وأن الأمر عدد 50 المؤرخ في 26 جانفي 1978 يحمل ذكرى مأساوية تستفزّ النقابيين وتذكرهم بشهداء الخميس الاسود، إذ هدف ذلك الأمر إلى ضرب الاتحاد وإيجاد "الإطار القانوني" للزج بالنقابيين في السجون وطردهم من العمل. ولا أعتقد أن التمسك به سيساعد على إعادة الثقة الضرورية بين الحكومة والاتحاد. بل سيكون تعنُّتًا فارغًا وإضعافا للحكومة، لا أكثر ولا أقل.