تتزايد مخاوف الليبيين من أن تُعمّق خارطة الطريق الجديدة التي أعلنتها بعثة الأمم المتحدة الأزمة السياسية بدلاً من حلّها، بعد خمسة عشر عاماً من إخفاقات متكرّرة للمجتمع الدولي في إدارة الملف الليبي.
ويرى مراقبون أن المبادرة التي طرحتها الممثلة الخاصة للأمين العام، هانا تيتيه، في 21 اوت - أغسطس- الماضي، تحمل في طيّاتها بذور انقسام جديد، إذ تُعيد إنتاج تجربة الحوار السياسي لسنة 2020، التي شابها فساد واسع وشراء للأصوات، وانتهت بسلطات انتقالية فشلت في تحقيق أي تقدم.
النائب علي الصول حذّر من أن البعثة تجاوزت صلاحياتها وتسعى لفرض أمر واقع مرفوض من مجلس النواب، مشيراً إلى أنّ المرحلة الراهنة تستوجب تشكيل حكومة توافقية موحدة تُهيّئ للانتخابات عبر توافق ليبي ـ ليبي خالص، لا عبر مبادرات خارجية.
في المقابل، تُحذر أوساط سياسية من أنّ أي تدخل مباشر في صلاحيات المؤسسات المنتخبة، وعلى رأسها مجلس النواب، سيُعدّ مؤامرة ضد الشرعية الوطنية. ويعتبر هؤلاء أن المجلس يمثل القيادة السياسية العليا للقوات المسلحة، المشرفة على أكثر من 85 في المئة من مساحة البلاد، وأن أي محاولة لانتزاع شرعيته ستقود إلى قطيعة تامة مع البعثة وربما إلى إعلان منظومة حكم جديدة قائمة على “الثوابت الوطنية الليبية”.
القائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر شدّد في هذا السياق على أن “ليبيا لا تُبنى بخيوط تُنسج وراء الحدود”، داعياً الليبيين إلى صياغة خارطة طريق وطنية تُعيد الاستقرار وتُنهي حالة التخبط والانقسام.
من جهته، وجّه رئيس الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب، أسامة حماد، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، عبّر فيها عن رفضه لما وصفه بـ“تجاوزات سافرة للسيادة الليبية” من قبل البعثة، واتهمها بالتدخل في أعمال المفوضية العليا للانتخابات، وفرض تصورات على تشكيلها، وبمحاولات لإعادة تعريف المجتمع الليبي على أسس فئوية وثقافية تهدد النسيج الاجتماعي، إضافة إلى التدخل في شؤون المصرف المركزي والترتيبات الأمنية.
وأكد حماد أن احترام سيادة ليبيا ووحدتها الوطنية شرط أساسي لأي تعاون مع الأمم المتحدة، مشدداً على أن حكومته تحتفظ بحقها في اتخاذ الإجراءات الدبلوماسية والقانونية لحماية استقلال القرار الوطني.
ويرى متابعون أن أداء البعثة الأممية يعكس غياباً للحياد، ويكرّس حالة من عدم الثقة المتزايدة في نواياها، إذ يعتقد الشارع الليبي أن هذه التحركات تهدف إلى تطويل الأزمة لا حلّها، وإلى ضمان مصالح القوى الدولية المتداخلة في الملف الليبي.
وفي خضم هذا المشهد، يبدو الليبيون أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التمسك بمسار وطني يقوده الداخل بعيداً عن الوصاية الأجنبية، أو العودة إلى المربع الأول في حلقة جديدة من الانقسام والفوضى.
شمس اليوم نيوز
.png)