ينتظر أن يجتمع اليوم الاثنين الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع رئيس حكومة الإجرام الصهيوني بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، ليس للنظر في وقف نهائي لمسلسل الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات العدوان الصهيوني في قطاع غزة بالسلاح الأميركي وهو ما تتجاهله عمدا وسائل الإعلام الأميركية التي تزعم أن الاجتماع يهدف إلى تحقيق "وقف إطلاق نار"، يدعي ترامب أنه "يضغط" من أجله، بل في كيفية تحقيق الهيمنة الصهيوأميركية على منطقة الحوض العربي الإسلامي.
لكن في الواقع، في ضوء التجربة التاريخية لسياسات الحكومات الأميركية المتعاقبة منذ ستينيات القرن الماضي تجاه الصراع العربي الصهيوني فإن الثقة في التزام هذه الحكومات بتعهداتها ووعودها مفقود لدى الشعب الفلسطيني، لذلك فإن أي "وقف إطلاق نار" في غزة سيكون مجرد هدنة مؤقتة، هدفها تمكين القوات الإسرائيلية من إعادة التسلح والاستعداد للمرحلة التالية من الإبادة الجماعية والحرب التي تشمل الشرق الأوسط بأكمله. الهدف الحقيقي للسياسة الصهيو أميركية هو إنشاء "شرق أوسط جديد" يخضع لهيمنة إمبريالية، يُقتل فيه الفلسطينيون أو يُطردون من أراضيهم، وتُعاد إيران إلى قبضة الهيمنة الاستعمارية المباشرة.
لقد وافقت حركة المقاومة الفلسطينية على المقترحات التي قدمتها الحكومة الأميركية بالتعديلات التي وضعتها المقاومة سواء بإطلاق سراح نصف المحتجزين لديها البالغ 58 بين أحياء وجثامين خلال فترة الـ 60 يوما من الهدنة المؤقتة، تتضمن فعلا تنازلات تتجاوز المرونة المحسوبة، لكنها تنازلات قدمتها المقاومة ليس لكيان العدوان الصهيوني الإجرامي بل لشعبها لوقف العدوان وحفاظا على أرواح أبناء القطاع المحاصر من أشقائه قبل عدوه... التنازل كان اضطرارا يعزى إلى استدامة الخذلان العربي الرسمي إلى حد الشراكة في العدوان، والتواطؤ الغربي الداعم لكيان العدوان.
21 شهرا من العدوان لم يحرك المياه الراكدة في المنطقة بما كانت المقاومة وشعبها يأملان بتلقي الدعم والمشاركة في صد العدوان ...
الدعم الذي قدمه أطراف محور المقاومة كان مهما لكن الدعم والمشاركة المطلوب افتقدته المقاومة وشعبها من الشقيق العربي الذي انساق مع هدف العدوان بتصفية المقاومة المسلحة الذي لا يمكن أن يتحقق سوى بتصفية حاضنته... الشعب الصامد.. المقاوم في قطاع غزة قتلا وتجويعا وحصارا وتدمير كل مقومات الحياة في القطاع.
جون بولتون، أحد المهندسين الأيديولوجيين لغزو العراق عام 2003 والعدوان الأميركي على إيران في يونيو الماضي كشف في مقال له يوم الأحد في صحيفة الـ تلغراف صراحة عن الأهداف الحقيقية لاجتماع ترامب ونتنياهو، حيث قال إن: "النتيجة الأهم يوم الاثنين في الجناح الغربي ستكون القرارات بشأن الاستخدام المحتمل للقوة العسكرية الأميركية والإسرائيلية لتحقيق أهداف رئيسية على جبهتين" — أي في غزة وضد إيران. فيما أشار محللون إلى أن كيان العدوان الصهيوني يحتاج إلى فترة هدنة يعمل خلالها على إعادة تعبئة موارده التسليحية التي افتقد الكثير منها في عدوان على غزة وإيران واليمن ولبنان.
كان كل من ترامب وحكومة نتنياهو واضحين تمامًا بشأن أهدافهم في غزة. ففي فبراير الماضي، قال ترامب إن "الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على قطاع غزة"، وستقوم بـ"تسويته بالأرض"، وستُهجِّر سكانه الفلسطينيين إلى "دول أخرى". وفي مايو الماضي، قال وزير المالية الصهيوني المجرم بتسلئيل سموتريتش: "خلال عام واحد... سيتم تدمير غزة بالكامل، وسيُنقل المدنيون إلى الجنوب نحو منطقة إنسانية... ومن هناك سيبدأون بمغادرتها بأعداد كبيرة إلى دول ثالثة."
إن الخطط لتحقيق هذا المشهد المروع متقدمة بالفعل. ففي الأسبوع الماضي، كشفت صحيفة فاينانشال تايمز عن وثيقة استراتيجية سرية أعدّتها مجموعة بوسطن الاستشارية، وهي شركة استشارات أميركية كبرى، تتعلق بـ"إعادة توطين" الفلسطينيين من غزة. وقدّرت المجموعة أنه يمكن تحقيق "توفير قدره 23 ألف دولار عن كل فلسطيني يتم ترحيله". وخلصت الوثيقة إلى أن هذه العملية من التطهير العرقي ستؤدي إلى "زيادة قيمة غزة (العقارية) إلى حوالي 324 مليار دولار بعد أن كانت صفرًا اليوم".
وفي تقرير آخر في الصفحة الأولى يوم الأحد، كشفت الصحيفة نفسها أن الخطة وُضعت بمشاركة موظفين سابقين لدى رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير. وقالت إن "معهد توني بلير شارك في مشروع لوضع خطة لغزة بعد الحرب، تتضمن تنشيط الاقتصاد عبر 'ريفييرا ترامب' و'منطقة تصنيع ذكية من تصميم إيلون ماسك'."
ولا شك أن هذه المقترحات التي كشفت عنها فاينانشال تايمز ستكون محور نقاش معمّق بين ترامب ونتنياهو، حتى في تفاصيل تحديد "القيمة بالدولار" لكل فلسطيني يُطرد من غزة، أو يُفضَّل أن يُقتل.
وفي الوقت الذي تُفرش فيه السجادة الحمراء في واشنطن للقاتل المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، نتنياهو، يُلاحَق المعارضون للإبادة الجماعية في غزة ويُسجَنون بشكل منهجي، إذ أن الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الممنهج ضد الشعب الفلسطيني، والتي تُدار من واشنطن والقدس، تحظى فعليًا بدعم جميع الحكومات الإمبريالية. فجميع ما يسمى "الحكومات الديمقراطية" في أوروبا وأميركا الشمالية إما يقودها مجرمو حرب أو متواطئون معهم. فقد صنفت الحكومة البريطانية المشاركة في العدوان على غزة ومحور داعميها منظمة العمل لفلسطين Palestine Action على أنها منظمة إرهابية، ما يجعل من غير القانوني ليس فقط الانتماء لها، بل حتى مشاركة منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي. وتمثل هذه المحاكمة أول مرة في تاريخ بريطانيا تُستخدم فيها قوانين الإرهاب ضد منظمة تعتمد على العصيان المدني. ويواجه أعضاء المجموعة، أو أي شخص يدعمها، عقوبات تصل إلى 14 عامًا من السجن لممارستهم حقهم في حرية التعبير، الذي تحميه القوانين البريطانية والدولية التي وقّعت عليها بريطانيا. ويوم الأحد، ألقت الشرطة البريطانية القبض على 29 شخصًا بتهم تتعلق بالإرهاب لمجرد مشاركتهم في مظاهرة نظّمتها المجموعة.
كما تسعى الحكومة البريطانية لمحاكمة فرقتي Kneecap وBob Vylan بتهم تتعلق بالإرهاب بسبب مواقفهم المعارضة للإبادة الجماعية. وقد حذت إدارة ترامب حذوها، وسحبت تأشيرات أعضاء فرقة Bob Vylan بعد أن قادوا هتافات احتجاجية ضد إبادة غزة في مهرجان غلاستونبيري في سومرست البريطانية الشهر الماضي.
واشنطن-محمد دلبح