وصف المدون

أخبار عاجلة





يأتي إعلان تأسيس "الهيئة العليا للرئاسات" في لحظة حرجة من عمر الدولة الليبية، حيث ما يزال المشهد السياسي محكوماً بقدر كبير من التشظي وتعدد مراكز القرار. وقد اجتمع محمد المنفي وعبد الحميد الدبيبة ومحمد تكالة في طرابلس ليعلنوا عن هذا التكتل الجديد الذي لا يحمل صفة المؤسسة الرسمية الجديدة، لكنه يسعى لأداء دور يشبه مركزاً موحداً للقرار السياسي بين ثلاث سلطات لطالما اختلفت في مقارباتها للعديد من الملفات. هذا الإعلان ليس مجرد اتفاق شكلي، بل هو رسالة داخلية وخارجية بأن الأطراف الفاعلة في غرب ليبيا باتت تشعر بأن استمرار التباين يعرّض المرحلة الانتقالية لمزيد من التآكل، وأن البلاد لا يمكن أن تحتمل المزيد من التناقض في المواقف.

إن إنشاء هذه الهيئة يعكس إدراك القيادات الثلاث لحجم التحديات التي تواجه الدولة، خصوصاً مع تكرار تعثر المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية، وغياب أي إطار قادر على التنسيق الفعلي بين المؤسسات. 

فليبيا تعاني منذ سنوات من تعدد الأصوات داخل المؤسسة الواحدة، ومن ازدواجية في اتخاذ القرار، مما جعل أي خطوة إصلاحية تصطدم بعوائق مؤسسية متشابكة. لذلك يبدو أن هذه الهيئة تمثل محاولة لكسر هذا الجمود عبر خلق مساحة مشتركة لصناعة القرار، دون الدخول في صراع قانوني حول مَن يملك الشرعية أو مَن يحق له التحرك باسم الدولة.

ويحمل هذا التحرك بعداً داخلياً واضحاً، إذ يعكس رغبة الأطراف الثلاثة في تقديم جبهة أكثر انسجاماً في مواجهة التحديات القادمة، سواء تلك المتعلقة بإدارة الملفات الأمنية في العاصمة، أو التعامل مع الصعوبات الاقتصادية، أو الاستعداد لأي مفاوضات سياسية قد تعيد تشكيل خريطة السلطة في ليبيا. كما يحمل رسالة طمأنة للشارع بأن المؤسسات قادرة، على الأقل من حيث الشكل، على تجاوز خلافاتها التقليدية والبحث عن لغة مشتركة.

أما خارجياً، فإن الإعلان يبدو موجهًا إلى الأطراف الدولية التي تراقب المشهد الليبي، وتطالب باستمرار بإطار موحد للتعامل مع القيادة السياسية في طرابلس. فالدول الفاعلة في الملف الليبي كثيراً ما عبّرت عن قلقها من غياب الانسجام بين المؤسسات، وهو أمر يقف عقبة أمام أي خطط دولية تتعلق بالانتخابات أو الترتيبات الأمنية أو الإصلاح الاقتصادي. وبالتالي، فإن الهيئة الجديدة قد تعطي انطباعاً بأن هناك قدرة على توحيد الرؤية، ولو نسبياً، في القضايا الجوهرية.

ومع ذلك، فإن الإعلان لا يخلو من حسابات سياسية دقيقة. فالتنسيق بين الرئاسات الثلاث جاء في سياق تنافس سياسي مستمر، ومحاولات من أطراف أخرى في الشرق لإعادة صياغة خارطة السلطة. وبالتالي قد يُفهم هذا التكتل أيضاً على أنه محاولة لإعادة ترتيب موازين القوة داخل الدولة، وتعزيز موقع طرابلس كمركز القرار الفعلي، في مواجهة أي تحركات موازية قد تؤدي إلى تشكل حكومة جديدة أو إعادة هيكلة السلطة التنفيذية. فهذه الهيئة تمنح الأطراف الثلاثة ثقلاً متبادلاً، وتجعل أي قرار يتعلق بمستقبل الحكم في ليبيا بحاجة إلى موافقتهم مجتمعين.


شمس اليوم نيوز 

Back to top button