وصف المدون

أخبار عاجلة

 


لم يعد حضور المرأة في مدينة هون مجرّد حضور رمزي أو دور تكميلي كما اعتادت مجتمعات كثيرة أن تتعامل معه في الماضي. اليوم، تعيد المرأة الهونية صياغة موقعها داخل الفضاء الاجتماعي والثقافي من خلال وعيٍ جديد، وتحرك منظّم، ورغبة جماعية في تحويل المبادرات النسائية من مجرد أنشطة مناسباتية إلى فعل بنائي مستدام، يترك أثرًا ويؤسس لثقافة مختلفة في الداخل والمحيط.

تجمّع نساء هون الذي رأى النور بمبادرة من د.فوزية الهوني  يأتي كتعبير حديث عن هذه الإرادة؛ ليس فقط في الدفاع عن حضور المرأة، بل في تحويل هذا الحضور إلى طاقة فاعلة، مؤثرة، ومؤسِّسة لهوية اجتماعية ناضجة. فالمرأة الهونية ليست شاهدة على التحولات… هي جزء من صناعتها.

هذا التجمع ينطلق من رؤية تقول: إن تمكين المرأة ليس شعارًا، بل عملية تغيير متراكمة، تبدأ من التعليم والصحة والوعي الأسري، وتمر عبر الورش والبرامج والخيرات التطوعية، وتصل في النهاية إلى تمثيل راقٍ ومشرّف في المحافل والمهرجانات. وفي هذا السياق، يبرز مهرجان خريف هون كمساحة حيّة تتجلى فيها رمزية حضور المرأة الهونية؛ فهو ليس مجرد احتفالية فنية وتراثية، بل منصة حقيقية لإظهار هويتها الثقافية، وإحياء ذاكرة المدينة، وترسيخ دورها كمكوّن فاعل في صناعة صورة هون أمام ليبيا والعالم. ومن أجمل اللحظات التي تعبّر عن هذا المعنى، مسابقة الأطفال بالزي الهوني الأصيل، فهي ليست مسابقة للجمال أبدًا، فالأطفال جميعهم جميلون ببراءتهم، بل هي مساحة لترسيخ قيمة الانتماء المبكر لدى الجيل الجديد. وقد تمّ التأكيد مسبقًا على أن شرط المشاركة هو ارتداء الزي الهوني الكامل، ليس من باب الشكل فحسب، بل ليعي الطفل منذ صغره أن الجمال الحقيقي يبدأ من الاعتزاز بالجذور، والهوية، والذاكرة الثقافية التي تشكّل نسيج المدينة.


في هذا المسار، يبدو الحفاظ على التراث الهوني نقطة جوهرية. فالمرأة هنا ليست منفصلة عن التاريخ، بل حاملة للذاكرة الجمعية، وشاهدة على رمزية المكان. وحرص التجمع على إبراز هذه الهوية ليس مجرد حنين ماضٍ، بل آلية حماية للخصوصية الثقافية في زمن تسارع الذوبان والنسخ المتكرر للأنماط.

كما يسعى هذا الكيان النسوي إلى خلق شبكة اجتماعية متماسكة بين نساء هون، مبنية على التضامن والثقة والتكافل، وتعيد للمجتمع الليبي في عمقه قيمة العلاقات الأفقية التي ضاعت بفعل الانقسامات والتوترات.

إن ما يميّز تجمّع نساء هون ليس فقط الأهداف المكتوبة، بل طبيعة الفلسفة التي تقف خلفها فكرة أن التغيير يبدأ من القاعدة، من التفاصيل الصغيرة.

وهنا تكمن قوة هذا التجمع هوليس مؤسسة نُقلت جاهزة من نموذج خارجي…بل مبادرة نابعة من داخل المدينة، من ذاكرة المكان وعمق علاقاته.

وفي لحظة تحتاج ليبيا فيها إلى إعادة بناء جسور الثقة، وتحويل طاقة المجتمع نحو الفعل الإيجابي بدل الاستنزاف، تبدو المرأة الهونية عبر هذا التجمع ومشاركتها الفاعلة داخل مهرجان خريف هون نموذجًا عمليًا لكيف يمكن للمرأة المحلية أن تتحول إلى صانعة معنى… وصانعة أثر.

هذا ليس مجرّد إعلان أهداف…إنه بداية مشروع اجتماعي طويل النفس…يضع المرأة في موقعها الطبيعي: شريكة في بناء المستقبل، لا ضيفة على الهامش.


شمس اليوم نيوز





Back to top button