وصف المدون

أخبار عاجلة

  



العرب والمسلمون، وخصوصًا سكان شمال إفريقيا، يتحمسون عادةً لقضية فلسطين بينما يتجاهلون ما يحدث في السودان او اي بلد اخر تحدث فيه جرائم انتهاك لحقوق الانسان. والسبب في ذلك ليس إنسانيًا بل ثقافي وسياسي ونفسي. القضية الفلسطينية جرى تسييسها وتقديسها لعقود، فتم ترسيخها في الوعي الجمعي كرمز للكرامة والعدالة والهوية. منذ الطفولة يتم تلقين الشعوب أن “فلسطين قضية الأمة”، فتتحول إلى عادة ذهنية، نوع من الواجب الرمزي الذي لا يُفكَّر فيه. 

أما السودان، فهو بلد “غير رمزي”، لا يمثل شيئًا في المخيال العربي سوى الفقر والانقلابات والعنف الأهلي. لا توجد قداسة تُحرّك الناس نحوه، ولا رمزية دينية أو سياسية يمكن للأنظمة أن تستغلها. لذلك تمر مجازره بصمت. الإعلام العربي يغذي هذه الانتقائية، فيُضخّ التعاطف لفلسطين ويُخفي السودان، لأن فلسطين تصلح للعرض العاطفي، بينما السودان يحرج الجميع لأنه يكشف حقيقة الإنسان العربي حين يقتل أخاه المسلم والعربي مثله.

السبب الخفي الذي يخشى قوله الجميع هو النظرة العنصرية الموروثة تجاه الأفارقة، حتى لو كانوا عربًا أو مسلمين. كثير من سكان شمال إفريقيا ينظرون إلى السوداني كـ“آخر أدنى”، وهذه النظرة تجعل التعاطف الإنساني باردًا أو غائبًا تمامًا.

المشكلة ليست في الفلسطيني ولا في السوداني، بل في العقلٍ الجمعي الذي لم يتعلم أن يرى الإنسان كإنسان، خارج الدين واللون والرمز. من السهل أن تبكي على طفل فلسطيني قُتل بصاروخ إسرائيلي، لأن الوعي الديني يشتغل مباشرة. لكن من الصعب أن تبكي على طفل سوداني قتله جيش بلاده أو ميليشيا تشبهه، لأنك عندها ستواجه حقيقة قاسية: أن القسوة تسكن فينا نحن أيضًا، لا فقط في "العدو".

وهكذا يستمر العرب و شعوب شمال افريقيا في التعاطف الانتقائي: يصرخون من أجل القضايا التي تمنحهم هوية حتى لو كانت مزيفة، ويصمتون أمام المآسي التي تفضح كذبهم الإنساني.


المدون سنجق شوقي


Back to top button