الضربة الإسرائيلية التي استهدفت اجتماع قادة حركة حماس في الدوحة ليست مجرد عملية عسكرية محدودة الأثر، بل تحمل رسائل سياسية أعمق قد تعيد رسم موقع قطر في الخارطة الإقليمية. فمنذ منتصف التسعينيات، بنت الدوحة لنفسها صورة الفاعل الإقليمي المثير للجدل عبر الاستثمار في الإعلام والمال السياسي، ودعم تيارات الإسلام السياسي تحت غطاء “الربيع العربي”، وصولاً إلى لعب أدوار تفاوضية جعلتها وسيطاً لا يمكن تجاوزه. غير أنّ ما حدث مؤخراً يوحي بأن هذا الدور بات على وشك الانحسار أو حتى الأفول.
فإسرائيل، بإرسال صواريخها إلى قلب العاصمة القطرية، لم تكن تستهدف حماس فقط، بل توجّهت برسالة مباشرة إلى القصر الأميري مفادها أن رعاية الحركات الإسلامية لم يعد لها مكان في معادلات الحرب والسلام الجديدة.
هذه الضربة جاءت في سياق تحولات إقليمية ودولية أوسع، حيث تلتقي إدارة دونالد ترامب ورؤية بنيامين نتنياهو على أولوية القضاء على البنية السياسية والعسكرية لحماس، بما يعني عملياً تجفيف أحد أهم الأذرع التي كانت الدوحة تراهن عليها لتكريس دورها الاستراتيجي.
المفارقة أن المشروع القطري الذي بُني على ضخ أموال هائلة في دعم الإسلام السياسي، وترويج خطاب إعلامي عبر “الجزيرة” منحها نفوذاً غير مسبوق، انتهى إلى نتائج معاكسة. فقد خرجت الحركات الإسلامية من المشهد في أكثر من ساحة، وتراجعت جاذبية الإعلام الفضائي لصالح شبكات التواصل الاجتماعي، فيما انكشفت خفايا الدور القطري وأثارت ارتياب حلفاء الأمس قبل الخصوم. حتى الساحة السورية، التي أنفقت فيها الدوحة الكثير لإسقاط نظام الأسد، انتهت إلى مكافأة معكوسة: رحيل الأسد لم يفتح لها أبواب دمشق بل أقصى نفوذها تماماً.
توقيت الضربة أيضاً ليس بريئاً. ففي ظل المواجهة “التكتيكية” بين طهران وتل أبيب، جرى توجيه إشارات إيرانية بالانزعاج من الدور القطري، لتأتي الغارة الإسرائيلية بمثابة تكريس لهذه الرسائل المتقاطعة: قطر لم تعد شريكاً مريحاً لأي من القوى الكبرى في المنطقة، لا إسرائيل ولا إيران ولا حتى واشنطن التي أعادت صياغة أولوياتها بعيداً عن حسابات الماضي.
من هنا يصبح الحديث عن “نهاية دور” الدوحة أكثر من مجرد تحليل، بل قراءة لمشهد استراتيجي يتجه إلى إعادة قطر إلى حدودها الطبيعية كإمارة خليجية ثرية بالنفط والغاز، تؤدي أدواراً ثانوية دون أن تطمح مجدداً إلى خوض “اللعبة الكبرى” التي دفعت فيها ثمناً غالياً وحصلت مقابلها على مكافآت استثنائية مثل استضافة كأس العالم.
شمس اليوم نيوز