انعقدت القمة الأفريقية الثانية للمناخ في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بين الثامن والعاشر من سبتمبر 2025، بمشاركة الاتحاد الأفريقي، تحت شعار "تسريع حلول المناخ العالمية: تمويل التنمية المستدامة والخضراء في أفريقيا". وقد جمعت هذه القمة أكثر من 25 ألف مشارك، من رؤساء دول وحكومات ووزراء وممثلين عن المجتمع المدني والقطاع الخاص والشعوب الأصلية والمزارعين والشباب والأكاديميين، في مشهد أكد أن قضية المناخ أصبحت على رأس أولويات القارة السمراء.
القمة التي جاءت بعد النسخة الأولى المنعقدة في نيروبي سنة 2023، مثّلت محطة مهمة لإبراز العدالة المناخية، خصوصًا أن أفريقيا لا تسهم إلا بنسبة 3% من الانبعاثات العالمية، لكنها تبقى الأكثر عرضة لتداعيات التغيرات المناخية. وقد كان التمويل في صدارة جدول الأعمال، حيث جدد القادة الأفارقة مطالبتهم بآليات عادلة وشفافة لدعم جهود القارة في التكيف والصمود.
من أبرز النتائج التي خلصت إليها القمة إصدار "إعلان أديس أبابا"، الذي أكد على ضرورة التزامات مالية جديدة ومضاعفة الاستثمارات في الحلول المناخية. وفي هذا السياق، أعلنت الدنمارك تخصيص 79 مليون دولار للتحول الزراعي، بينما تعهدت إيطاليا بتقديم 4.2 مليار دولار لصندوق المناخ، منها 70% لصالح أفريقيا. كما تم إطلاق "مرفق المناخ الأفريقي" الذي يستهدف حشد 50 مليار دولار سنويًا، إلى جانب "ميثاق الابتكار المناخي الأفريقي" الهادف إلى تطوير ألف حل أفريقي بحلول 2030 لمجابهة التحديات في مجالات الطاقة والزراعة والمياه والنقل.
ولم يقتصر الأمر على التمويل، إذ حظيت المبادرات القارية بدعم متجدد، في مقدمتها "الجدار الأخضر العظيم"، ومبادرة "استعادة الغابات الأفريقية" (AFR100)، ومشروع "الإرث الأخضر الإثيوبي". كما برز ملف التكيف المناخي بقوة، عبر برنامج تسريع التكيف في أفريقيا (AAAP) الذي يسعى لتعبئة 50 مليار دولار بحلول 2030 لدعم الأمن الغذائي والبنية التحتية القادرة على مواجهة الأزمات المناخية.
وتصدرت أجندة القمة مبادرة الطهي النظيف، لمعالجة اعتماد مئات الملايين من الأفارقة على الوقود التقليدي، بما له من انعكاسات سلبية على الصحة والبيئة والمساواة الاجتماعية، مع هدف توفير حلول طهي حديثة لنحو 900 مليون مواطن خلال العقد الجاري. أما قطاع الطاقة المتجددة فقد حظي بدفعة قوية، مع هدف رفع حصة أفريقيا من الاستثمارات العالمية من 2% إلى 20% بحلول 2030، حيث عرضت شركات ناشئة ومبتكرون محليون مشاريع في الطاقة الشمسية والرياح والحلول الرقمية.
كذلك تم اعتماد "استراتيجية المعادن الخضراء" لتوظيف موارد القارة من الليثيوم والنحاس والكوبالت والمعادن النادرة في دعم سلاسل التوريد العالمية للطاقة النظيفة، بينما نال قطاع الصحة اهتمامًا خاصًا عبر التعهد بإنشاء آلية مالية لمواجهة التهديدات الصحية المرتبطة بالمناخ، من موجات الحر إلى الأمراض الوبائية.
هذه المخرجات مجتمعة أعطت دفعة قوية لتوحيد الموقف الأفريقي قبل انعقاد مؤتمر الأطراف (COP30) في نوفمبر بالبرازيل. غير أن خبراء المناخ، ومنهم الدكتور هشام عيسى والدكتور جواد الخراز، شددوا على أن التحدي الأكبر ما زال يكمن في تأمين التمويل الكافي، في ظل تقاعس الدول المتقدمة عن الوفاء بالتزاماتها، مما يدفع أفريقيا إلى الرهان على حلولها الذاتية، واستثمار قدراتها المحلية، وتأكيد صوتها الموحد في الساحة المناخية الدولية.