في لحظة تتسم بالتصعيد الخطير بعد الهجوم الصهيوني على ايران صباح اليوم، جاءت سلسلة من العمليات النوعية التي استهدفت قادة عسكريين كبار وحديث عن اغتيال ما بين ستة وتسعة علماء دفعة واحدة، كرسالة أمنية بالغة الخطورة.
هذا الحدث لا يمكن فصله عن سياق الحرب المفتوحة على محور المقاومة، والتي سعت من خلالها إسرائيل وحلفاؤها إلى اختراق العمق الإيراني وخلخلة جبهته الداخلية. وهذا يطرح عديد التساؤلات.
أولا، الفشل في منع تنفيذ عمليات اغتيال دقيقة وفي توقيت متزامن ضد قادة بارزين وعلماء متخصصين، يكشف عن اختراق استخباراتي متقدّم وعميق، بلغ على ما يبدو مفاصل أمنية حساسة داخل إيران. واللّافت أن هذه العمليات تذكّر بالاختراقات التي تعرض لها حزب الله، سواء على صعيد الكوادر أو شبكات المعلومة، ما يشير إلى نمط متكرّر من الاستهداف الممنهج للقيادات عبر الحرب الاستخبارية. والسؤال هنا ليس فقط عن حجم الاختراق، بل عن آليات مواجهته في ظل ظروف حرب شاملة.
ثانيًا، شبكات العملاء والتسريبات الأمنية وعمليات سرقة الوثائق من قلب طهران ليست حوادث معزولة، بل جزء من حرب خفية تدور منذ سنوات، بهدف شلّ مؤسسات الأمن والدفاع وإضعاف الجبهة الداخلية الإيرانية. فنجاح شبكات معادية في اختراق الحصون الصلبة وتجاوز الإجراءات الأمنية يعكس تحديًا حقيقيًا لا يقل خطورة عن الهجوم بالصواريخ والطائرات.
ثالثًا: يبدو أنّ تعدد الجبهات سبّب ضغطًا واقعيًا على المنظومة الأمنية. بمعنى أن ارتباط إيران بعدّة ساحات في إطار محور المقاومة (العراق، اليمن، سوريا، لبنان، وفلسطين)، خلق بيئة يصعب ضبطها أمنيا، ما جعل الساحات أكثر عرضة للاختراق.
رابعًا، الجالية اليهودية في إيران تُشكّل ثغرة أمنية رغم أنها جزء من النسيج الوطني. فهي جالية نافذة ماليًّا وتجاريا، وتحظى بحماية رسمية وقانونية. غير أن بعض المراقبين يشيرون إلى إمكانية استغلال هذه الخصوصية من قبل الموساد وأجهزة استخبارات أخرى معادية. لا يوجد اتهام علني مباشر، بل مجرد إشارات إلى ذلك، سيما في زمن الحروب المركّبة حيث تتداخل الجبهات العلنية والسرية.
عموما طبيعة الاغتيالات التي جرت اليوم لا تعني فقط ضربة أمنية، بل تعني أن التحدي الأمني في قلب المعركة. وتعني رسالة من العدو الصهيوني بأنه قادر على الوصول إلى غرف العمليات. ولا ندري إلى أيّ حدّ ستنجح إيران، والمعركة جارية، في معالجة مثل هذه الثغرات بسرعة وفعالية، وإعادة بناء الثقة الأمنية، وتعزيز شبكات الحماية، ومراجعة الاختراقات، وإعادة توزيع الموارد الاستخباراتية، بما يتناسب مع تعقيدات اللحظة.
المعركة كبرى، وسيكون لها ما بعدها. وستولّد مفاعيلها. وقد تعيد إحياء محور المقاومة، أو تخلق حالة أخرى مناهضة للهيمنة الإمبريالية والغطرسة الصهيونية. ولن تُحسم هذه المعركة في الميدان فقط، بل أيضًا في العقول، وفي مراكز القرار، وفي قدرة ما تبقى من مقاومة على الصمود وحماية ظهر إيران.