.مقاطعة الترونفاي كانت المنعرج الحقيقي في تاريخ الحركة الوطنية....
تحيي الكنفدرالية العامة التونسية للشغل و الطبقة الشغيلة الذكرى 121 لإحتفال العمال التونسيين بعيد الشغل العالمي في1 ماي 1904 بتونس العاصمة وذلگ يوم الخميس1ماي 2025على الساعة التاسعة صباحا بقاعة المونديال بنهج أبن خلدون تونس العاصمة .
هذه الذكرى التي تعيدنا الى مطلع القرن العشرين، والى الأزمة الإقتصادية الراسمالية التي عصفت بأوروبا وكانت لها تداعيات سلبية على تونس من بينها إرتفاع تكاليف المعيشة ,تفشي البطالة و ركود الأجور...لكن في المقابل افرزت هبة عمالية استثنائية و تحرك نضالي مشترك شمل العمال التونسيين ,الإيطاليين , الفرنسيين و المالطيين.
لتتجاوز بذلك كل عوامل التفرقة الاصطناعية العرقية ,الجنسية والاجتماعية التي فرضتها الرأسمالية الأستعمارية بتونس بين العمال .
وتسجل باحرف من ذهب اهم تاريخ عمالي وهو ميلاد الحركة النقابية التونسية في 1 ماي 1904 كما دوّنه المؤرخ التقدّمي" كلود ليزيو" (Claude Liauzu) .حيث نظم حوالي خمسة آلاف عامل في اليوم الموالي لعيد الشغل تجمعا حاشدا أمام مقر الإقامة العامة للحماية مرددين نشيدالأممية العمالية ومطالبين بإحترام الحق النقابي ,الزيادة في الأجور , تخفيض ساعات العمل وأعلنوا الإضراب العام لمدة 15 يوما - عدة جهات ببنزرت ومنزل بورقيبة (فيريفيل سابقا) و صفاقس -توج بنجاح باهر تحققت فيه جل مطالبهم .
وللامانة التاريخية لابد أن ننوه بهذه المناسبة ، بالدور الطلائعي للعمال الايطاليين الذين تجندوا لإنجاح هذه الملحمة العمالية .
كما نشيد بالدور العظيم الذي قام به المثقفين التقدميين الإيطاليين وفي مقدمتهم المناضل الكبير" نيكولو كونفرتي" (Converti Nicolo) على مستوى توعية العمال و تعبئتهم و تأطيرهم منذ أوخر القرن الماضي وصولا إلى إنجاز إنتفاضة ماي 1904 التي أبهرت العالم وفاجات سلطة الحماية الاستعمارية وشكلت المنعرج الحقيقي والحاسم في تاريخ الحركة الوطنية التونسية.
هذه الملحمة العمالية التي افرزت حراكا غير مسبوق توج بتكوين عدة تجمعات نقابية وتعاونيات اصطدمت بمعارضة
المستعمر الفرنسي الذي تجند لمحاربتها وتفكيكها برفض الاعتراف بالحق النقابي و بانشاء منظمات موازية خاصة بالفرنسيين لضرب الوحدة النقابية.
ما نستنتجه بمناسبة هذه الذكرى التي يفوح منها عبق التاريخ العمالي ان الإضراب العام الذي قام به العمال في ماي 1904 شكل التاريخ الرمزي لانطلاق مصاعب السلطة الإستعمارية بتونس.حيث خلقت نضالات العمال ديناميكية إجتماعية وسياسية غير مسبوقة كانت من ثمارها حرية التعبير والاجتماع .
هذه الحريات التي كانت مهدا لاحتجاجات وانتفاضات شعبية عامة على غرار إنتفاضة الفراشيش بتالة والق6 .
اكثر من ذلك الزخم الروحي للتاريخ الرمز 1ماي 1904 لثورة العمال انبعثت منه " حركة الشباب التونسى" النواة الأولى للحركة الوطنية التي لعبت عبر جريدتها الأسبوعية "التونسي" الصادرة سنة 1907 باللغتين العربية و الفرنسية دورا هاما خلق راي عام شعبي معادي ل والتعاطي الجريئ مع الملف السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
فالحركة الوطنية ولدت من رحم ملحمة العمال وحناجرهم التي نادت بالحريات .فبعثت روح النضال في الشعب التونسي الذي هب على قلب رجل واحد
فكانت أحداث الجلاز في 1911 و إنتفاضة الترانفاي في 1912 وماعقبها من احداث نصالية
وأكدت الكنفدرالية ان عراقة الحركة النقابية التونسية وعلاقتها المتينة بالحركة الوطنية وليدة تراكمات نضالية طويلة و تجارب ثرية.تقتضي بالضرورة إعادة الإعتبار لمختلف مراحلها و مراجعة السردية التاريخية السائدة التي إتسمت بتغييب مراحل تأسيسها وعدم التدقيق في بعض المراحل اللاحقة بل تشويهها.
وفي هذا الإطار تقترح الكنفدرالية العامة التونسية للشغل إقامة "متحف وطني للحركة النقابية التونسية" يخلد إنجازاتها وتضحيات مناضليها في مختلف المراحل مثل نضالات ماي 1904 ،ملحمة الترانفاي في 1912 ، نضال عمال الرصيف في 1924 ،عمال المناجم في سنة 1938 ،عمال السكك الحديدية بصفاقس في 1947 و العمال الفلاحيين بالنفيضة وصولا إلى إنتفاضة 26 جانفي 1978 والمسيرة النضالية العمالية متواصلة ومستمرة ....
بالتوازي مع ذلك تدعو الكنفدرالية العامة التونسية للشغل لاعادة الإعتبار لمختلف المحطات النضالية للعمال وتجاوزالسردية الإنتقائية البائسة لأن الباطل لا ينتج حقا.