يعد المسرح ذاكرة الشعوب وهو ما حاول فاضل الجزيري إثباته من خلال عمله المسرحي "جرانتي العزيزة"، حيث وثق لتاريخ تونس منذ الاستقلال إلى ما بعد 14 جانفي 2011 بالاعتماد على الموسيقى انطلاقا من قصة عازف كمنجة بفرقة الإذاعة الوطنية.
في هذا العمل المسرحي استحضر الجزيري كذلك أسماء عديد الشخصيات الفاعلة في تاريخ تونس منهم أساتذة الكونسرفتوار من أحمد عاشور الذي درّس بالمعهد العالي للموسيقى وقاد الأوكسترا السيمفوني من سنة 1979 الى 2010 إلى عدة أساتذة بالمعهد على غرار "زلاطكا" و"ياروش" و"سترينو" الذي تتلمذ على يده رضا القلعي. كما تطرق الى سيرة عازفين متميزين من بينهم عبد الحميد بن علجية والسيد شطا كما أشار إلى عدد من المسرحيين من بينهم محمد إدريس والحبيب بولعراس وقدم لمسة وفاء الى مدير التصوير الحبيب المسروقي الذي انتحر سنة 1980 عن عمر لم يتجاوز الثلاثين سنة .
كما تحدث الجزيري عن بورقيبة واليوسفيين و الهادي نويرة وأحمد بن صالح والشاذلي القليبي وعبد الرؤوف الباسطي ومجموعة "بريسبكتيف" وغيرهم من الشخصيات التي تركت بصمتها في المشهد الفني والسياسي في تونس وصولا الى مرحلة فرار بن علي واندلاع الثورة التي ربما عبر عنها فاضل الجزيري بمشهد تخلي الزوجة عن زوجها واختيارها للسعودية كمكان للاستقرار فيها .
مسرحية "جرانتي العزيزة" هي من إنتاج المسرح الوطني التونسي والمركز الثقافي جربة ومسرح الأوبرا تونس، سينوغرافيا وإخراج فاضل الجزيري، نص ودراماتورجيا جماعي، أداء كل من إشراق مطر وسليم الذيب بمشاركة العازفين لطفي السافي على آلة التشيللو و إلياس بلاغي على آلة البيانو ومهدي ذاكر على آلة الكمنجة.
وتروي قصة عازف كمنجة يدعى ماهر على أبواب التقاعد بعد سنوات من العمل في فرقة الإذاعة الوطنية وخارجها، مما جعله طرفا في عديد الأعمال الموسيقيّة والمسرحيّة وشاهدا على أكثر من نصف قرن من الإنتاج الأدبي والفنّي في تنوّعه.
"بتهوفن" أو "ماهر عاشق الكمنجة" يسرد ويجسّد على الركح مع رفيقة دربه وبحضور باقي العازفين خلاصة خبراته التي تعكس حقبة من تاريخ الفن والإبداع وبالتالي تاريخ البلاد وما طبع تلك الفترة من تجاذبات بين السياسي والإبداعي استقرّت في ذاكرة العازف وتركت ندوبا لا تُمحى.
ساعتان روى خلالهما هذا العازف، العاشق لكمنجته، كل المحطات السياسية التي مرت بها تونس منذ الاستقلال إلى اليوم، ولم يقتصر التاريخ الذي رواه ماهر على الجانب السياسي فحسب بل أيضا الفني وتطوره وكيف ارتبط الفن بالسياسة في كل هذه المحطات.