تباينت ردود الفعل حيال قرارات البرلمان الليبي الثلاثاء بإنهاء ولاية السلطة التنفيذية، وسحب منصب القائد العام للجيش من رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، ومنحه لرئيس مجلس النواب، عقيلة صالح.
وفي بنغازي، رحب قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر بقرار البرلمان، فيما طالبت الحكومة المكلفة من المجلس كافة السلطات بتنفيذها، ودعت الدول والمنظمات إلى دعمها وتوجيه سفاراتها نحو بنغازي بدلا من طرابلس.
وقالت القيادة العامة للجيش عبر بيان، إنها "ترحب بقرار مجلس النواب بشأن صفة وصلاحيات القائد الأعلى التي يملكها مجلس النواب صاحب الشرعية الدستورية، وهو الجسم السياسي الوحيد المُنتخب من قبل الشعب".
وأشادت حكومة حماد "بموقف رئيس وأعضاء مجلس النواب بتجديد الثقة في الحكومة حفاظا على استمرارية العمل الإداري والتنفيذي"، لافتة إلى أن هذا القرار "صدر استنادا إلى انقضاء الأجل القانوني للاتفاق السياسي وسدا للفراغ السياسي الناجم عن نهايته".
وفي طرابلس، أعلنت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة عن رفضها مخرجات مجلس النواب الاخيرة، وأكدت أنها تستمد شرعيتها من الاتفاق السياسي الليبي المضمن في الإعلان الدستوري، وجددت إعلان استمرارها إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
وقالت حكومة الدبيبة، عبر بيان، إنه في ظل انشغالها "بتحسين الخدمات العامة واتخاذ إجراءات تسهم في الارتقاء بالوضع المعيشي للشعب التقى عقيلة صالح مع عدد من النواب الشاغلين لكراسيهم منذ عقد ونصف ليعلنوا عن جملة من القرارات مكررة الشكل والمضمون والوسيلة".
وتقصد الحكومة بعبارة "قرارات مكررة الشكل والمضمون" قرار مجلس النواب اعترافه في 21 ديسمبر 2021 سحب الثقة منها؛ ما يعني أن إجراء اليوم هو الثاني من نوعه من جانب المجلس.
وأوضحت الحكومة في بيانها أنها "تستمد شرعيتها من الاتفاق السياسي الليبي (الموقع بالمغرب عام 2015) المُضمَّن في الإعلان الدستوري، وتلتزم بمخرجاته التي نصت على أن تُنهي الحكومة مهامها بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وتُنهي المرحلة الانتقالية الطويلة التي عاشتها وعانتها البلاد".
وانبثقت السلطة التنفيذية الحالية عن اتفاق جنيف المستند إلى اتفاق الاتفاق السياسي بالصخيرات المغربية. واختيرت السلطة من قبل ملتقى حوار سياسي مؤقت شكلته البعثة الأممية عقب انتهاء حرب طرابلس الأخيرة عام 2020، وتضم: مجلسا رئاسيا مكونا من رئيس ونائبين ممثلين لأقاليم ليبيا الثلاثة، مع حكومة مستقلة (حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها، الدبيبة).
وبعد الفشل في إجراء الانتخابات نهاية 2021 وفي مطلع العام اللاحق حجب النواب الثقة عن حكومة الدبيبة وكلف أخرى لم تتمكن حتى الآن من تسلم مهامها في العاصمة الليبية بسبب رفض الأخير تسليم السلطة إلا بعد الانتخابات.
كما قالت حكومة الدبيبة في بيانها ذاته، أن "رئيس مجلس النواب (عقيلة صالح) يُصرّ مع عدد من النواب على عقد جلسات غير مكتملة النصاب ولا تتسم بالنزاهة والشفافية".
إضافة لـ"تخليهم عن التزاماتهم تجاه الاتفاق السياسي والإعلان الدستوري وتعهداتهم للأطراف السياسية عبر إعلانهم المتكرر الذي يفيد بسحب الثقة من الحكومة وتنصيب حكومة موازية ليس لها ولا لحقائبها الشكلية أي أثر ملموس".
ومنذ مارس 2022 توجد حكومتان إحداهما تحظى باعتراف دولي وأممي وهي حكومة الوحدة ومقرها العاصمة طرابلس وتدير منها غرب البلاد بالكامل.
أما الحكومة الثانية فكلفها مجلس النواب وهي حكومة أسامة حماد ومقرها في مدينة بنغازي وتدير شرق البلاد بالكامل ومدنا في الجنوب.
وعمَّق وجود الحكومتين أزمة سياسية يأمل الليبيون حلها عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية طال انتظارها منذ سنوات وتحول دون إجرائها خلافات بشأن قوانينها والجهة التنفيذية التي ستشرف عليها.
وفي بيانها نفسه اعتبرت حكومة الوحدة "قرارات مجلس النواب التي لا تغير من الواقع شيئا عبارة عن بيانات ومواقف صادرة عن طرف سياسي يصارع من أجل تمديد سنوات تمتُّعه بالمزايا والمرتبات أطول مدة ممكنة لا عن سلطة تشريعية تمثل كل الأمة الليبية".
وأضافت الحكومة أنها "تتعامل مع هذه البيانات (قرار سحب الثقة) المتكررة على أنها رأي سياسي غير ملزم، وشكل من أشكال حرية التعبير لأحد الأطراف السياسية التي تؤمن بها الحكومة وتكفلها لكل الأطراف والمواطنين على حد سواء".
ولم يصدر رد رسمي من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، إلا أن عضو المجلس، عبدالله اللافي أكد تمسكهم بأن شرعية السلطات والأجسام السياسية الموجودة حاليا "مستمدة من الاتفاق السياسي"، في إشارة لعدم تخويل مجلس النواب بإقصاء أي طرف.
وقال اللافي، في سلسلة تغريدات عبر حسابه على منصة "إكس"، إن "المجلس الرئاسي جاء وفق اتفاق بين الأطراف المحلية والدولية، وقرار إنشائه تم بتأييد مجلس الأمن لمخرجات مؤتمر برلين (بشأن ليبيا) عبر قراره رقم 2510 لعام 2020".
وأضاف أن الاختصاصات التي تم منحها للمجلس الرئاسي جاءت "وفق المادة 64 من الاتفاق السياسي (الموقع بالمغرب عام 2015) التي شُكل على أساسها ملتقى الحوار السياسي الليبي (في جنيف عام 2021)".
واعتبر أنه بناءً على ذلك "فإن شرعية السلطات والأجسام السياسية الموجودة في المشهد الليبي اليوم تستمد شرعيتها من هذا الاتفاق".
وأكد أن "أي تعديل يطال هذه الأجسام، أو اختصاصاتها يتطلب العودة لنصوص الاتفاق السياسي المستندة على ذات المادة المذكورة". وتابع "وعليه أن ما يُتخذ من خطوات تخالف ذلك هي والعدم سواء".
وأهاب اللافي بالبعثة الأممية للدعم في ليبيا بـ"ضرورة بذل المزيد من الجهود لإقناع الأطراف بسرعة الالتقاء لمناقشة القضايا السياسية الملحة، حيث أنها باتت اليوم تهدد بانجرار الأوضاع نحو النزاعات المسلحة، التي قد تعصف بقرار وقف إطلاق النار".
ودعا اللافي إلى "تغليب مصلحة الوطن عبر تعزيز فرص الحوار بإرادة وطنية صادقة، وخطوات فاعلة، تخفف من حدة الاستقطاب، وتسهم في استقرار الوطن وتصون وحدته".
ومن جهته، اعتبر المجلس الأعلى للدولة خالد المشري أن تعديلات جرت على الإعلان الدستوري تنص على أن "يكون المجلس الرئاسي هو الجهة التي تمارس صلاحيات القائد الأعلى".
وفي ليبيا يعد القائد الأعلى للجيش وفق الإعلان الدستوري (دستور مؤقت يحكم البلاد منذ عام 2011) هو رئاسة مجلس النواب، إلا أن الاتفاق السياسي الموقع بالمغرب عام 2015 والآخر الذي تم في جنيف بتاريخ 17 ديسمبر 2015 أعطيا تلك الصفة للمجلس الرئاسي (كان يترأسه فائز السراج سابقا وحاليا محمد المنفي).
وشدد المشري على أن "ما اتُخذ من قرار في مجلس النواب بشأن سحب صفة القائد الأعلى للجيش يعتبر باطلا لمخالفته المادة 12 من الأحكام الإضافية للاتفاق السياسي الموقع بالمغرب عام 2015".
وهذه المادة تنص على أنه "في حال اقتضى الأمر إجراء تعديل لاحق للإعلان الدستوري يمس الاتفاق أو أحد المؤسسات المنبثقة عنه بشكل مباشر أو غير مباشر يلتزم مجلس النواب ومجلس الدولة بالتوافق فيما بينهما على صيغة هذا التعديل".
ويرى مراقبون أن من شأن هذا الصراع المتجدّد على السلطة بين بنغازي وطرابلس، أن يزيد من حدّة الانقسام السياسي في ليبيا ويعيدها إلى نقطة الصفر، حيث لا توجد أي مؤشرات على وجود توافق أو رغبة محلية ودولية لإنهاء مرحلة الجمود السياسي والذهاب بالبلاد نحو الانتخابات..