تلك المستلقية بين البحر والصحراء بروح التاريخ والحضارة ، والمتوهجة بجلال الحب والفن والجمال . والمتدثرة على الدوام بشاعريتها المدهشة ، تلك التي عرفت الإنسان الأول ، واحتضنت باكورة خطواتها في اتجاه المعرفة، ولا تزال تحافظ على عصارة إبداعها...
تلك التي تعرضت للكثير من الآلام والأحزان على مدى القرون والعقود ، والتي عانت من لعنة الفقر ثم من لعنة الثروة، ومن أطماع الخارج وصراعات الداخل، والتي واجهت كل التحديات بصير الأم ، ولا تزال تحلم بالغد الأجمل والأفضل والأكمل .. ليبيا الجميلة ..
تلك هي التي نتجمع حولها وفيها وبها وتحت سمائها وفوق ثراها. ونعيش بهوائها وننتعش بعصر أنفاسها وتعانق دفاء شمسها وضوء قمرها وتفاخر بها بين الدول والأمم . فلا بلد يشبهها، ولا أرض كأرضها، تلف العالم وتعبر القارت ، من أقصى الشرق الى أقصى الغرب، ليعود بنا الحنين الى تقاسيم وجهها الصبوح ، الى براح صحرائها وسحر سواحلها وشموخ جبالها وإيقاعات الحياة في مدنها وقراها. والى ترانيم فنها وتراثها، وعنفوان أبنائها الذين قد يختلفون على أي شيء ، وربما على كل شيء ، ولكنهم لا يختلفون على حبها والانتماء إليها.
قبل عامين كنت في لقاء مع بعض الصديقات في بلد عربي شقيق. كن يفاخرن ببلادهن يتحدثن عن الموقع والبحر والطبيعة والآثار و التاريخ ، وبعد الاستماع إليهن، سالتهن: ماذا تعرفن عن ليبيا ؟
ران الصمت . من لا يعرفن إلا الصحراء وبعض الرموز السياسية والحرب والنفط وشريط عمر المختار وأغنية يسلم عليك العقل» . كان لزاما علي أن أحدثهن عن ليبيا الجغرافيا ذات أطول شاطيء على المتوسط، عن أول حروف ورسوم خطها الإنسان على جبال الأكاكوس قبل 10 آلاف . عام . عن أهرامات ومومياءات جرمة التي سبقت أهرامات ومومياءات الفراعنة ، عن غدامس التي يعود تاريخها الى 12 ألف عام، وعن الجبل الأخضر حيث كتب مرقس الليبي السفر الثاني من الإنجيل لتكون ليبيا أول موطن للدعوة المسيحية في القارة الإفريقية .
وعن دور الليبيين في الحضارات الإغريقية والرومانية والفرعونية ثم العربية الإسلامية . وعن المدن الأثرية الكاملة في شحات وسوسة وليدة وصبراتة، وعن السرايا الحمراء ومتحفها الذي يعتبر من أثرى متاحف العالم . الحقيقة أنني لم أجد وقتا كافيا لأتحدث عن كل مميزات ليبيا، وعن تاريخها وآثارها وتنوعها الثقافي والحضاري، وعن جهادها الطويل ضد المستعمرين والغزاة، وتضحيات أبنائها وبطولاتهم ، وعن دور المرأة الليبية في كل ذلك. وعن عادات الليبيين وتقاليدهم وفنونهم وتراثهم وعن جمال الطبيعة في كل بقعة من بقاء ليبيا. وعن كفاءات الليبيين في كل المجالات وانتشارهم عبر أرجاء العالم، وعن مواهبهم المشهود لها.
ليبيا الجميلة ، تحتاج الى من يكشف مواطن جمالها وعظمتها ورقيها، لأنها جديرة بأن تكون لؤلؤة حقيقية ليس في جنوب المتوسط أو في شمال إفريقيا ، ولكن على امتداد الكرة الأرضية.
بقلم فوزية الهوني