وصف المدون

عاجل الأن

 



تعد فترة السير أو تجسيم النشاط الأصلي للشركة أو للشركات ذات المسؤولية المحدودة من أهم وأخطر فترات حياتها وتواجدها على الإطلاق بالنظر أساسا لتجسيم موضوعها الذي من أجله بعثت على أرض الواقع في إطار تنامي علاقاتها المختلفة وتشابكها مع الغير عموما من دائنين مختلفين وبنوك وشركات تأمين وما إليها...

 فمثل هذا الإقرار ليس  اعتباطيا أو من فراغ بقدر ماهو وعلى عكس ذلك تماما مبرر بعدة معطيات واقعية أبرزها على الإطلاق ما يمكن أن تتعرض له مصالحها المختلفة ذاتها أثناء فترة التسيير دوما من مس بين بها أو تهديد جدي بزاولها واندثارها من طرف من هو مؤهل قانونا ومتواجد أصلا لتصريف شؤونها المختلفة وحفظ مصالحها تجاه من تتعامل معهم .

 فوكيل الشركة ذات المسؤولية المحدودة ووكلائها حال تعددهم طبعا متى تولوا قانونا مباشرة مهامهم الداخلة صلب عقد الوكالة المسند إليهم بموجب العقد التأسيسي للشركة أو أي عقد لاحق له طبقا لمقتضيات الفصل 112 من مجلة الشركات التجارية  قد ينحرفون بشكل أو بآخر عن وظيفتهم أو عن وظائفهم الأصلية التي من أجلها عينوا وتواجدوا أصلا بالشركة

مما قد يتخذ معه نفس  هذا الانحراف عدة أشكال وصور سيختلف معه مداه وستختلف  حتما حدته و تتباين من وكيل إلى آخر ...

 ومهما كان من أمر،  فإنه يتعين التأكيد هنا على مسألة هامة مفادها بقاء إمكانية التعسف والانحراف بالوجهة الأصلية لمصالح الشركة قائمة حتما في جانب من تقدم وعدم اعتبارها بموجب ذلك مجرد  فرضية فحسب ...

ولقد أثبت الواقع العملي المعاش حقيقة ما سلف إذ قد يتولى الوكيل أو الوكلاء حال تعهدهم بتسيير مختلفة مصالح الشركة ذات المسؤولية المحدودة وبموجب ما تم تفويضه إليهم من سلطات للغرض[1]  ، ارتكاب أفعال ترتكز في جوهرها على أعمال مادية قائمة على المبادرة التلقائية وعدم الامتناع أي على الطابع الإيجابي المميز في النهاية لإتيانها واقترافها[2] .

 ولكن قد يأتي نفس من ذكروا في المقابل أفعالا مغايرة تماما للأولى  أصبح يصطلح على تسميتها في إطار قانون الشركات التجارية عموما بالجرائم السلبية أو "جرائم الامتناع "  التي تكمن أهميتها عموما من خلال الاهتمام الملحوظ والمتزايد بشأنها الذي وصل لحد إقرار عقوبات معتبرة بخصوصها ضمن أطر قانونية خاصة.

 

على أن قيمتها العملية تتمظهر أكثر للعيان من خلال نموها المطرد واتساع رقعة إنتشارها لتشمل اليوم تقريبا كافة مجالات القانون بما فيها ميدان الأعمال عموما وميدان الشركات التجارية خصوصا الذي أصبح يتفرد لحد كبير عن غيره من المجالات الأخرى بخاصية مميزة له هي تكاثر جنوح وكيل أو وكلاء الشركات التجارية عموما بما فيها دوما الشركات ذات المسؤولية المحدودة نحو  ترك ما هم محمولين على القيام به من أعمال مختلفة لصالح الشركة التي يتولون تمثيلها لدى الغير...على أساس معطى أصبح  ثابتا اليوم  لم يعد بالإمكان  غض الطرف عنه هو سيطرة الصبغة الشكلية على مستوى إرتكاب الجرائم الموجبة لمؤاخذة جزائية على حساب صبغتها الإرادية والقصدية  .

 وأمام كل ما ذكر ووعيا من المشرع بقيمة المسألة وما يمكن أن تشكله حتما من مخاطر على صعيد تطوير أنشطة الشركات التجارية نفسها وانطلاقا من جملة  الأهداف المعلن عنها تشريعيا ،  إتبع المشرع فيما تعلق تحديدا بالشركة ذات المسؤولية المحدودة سياسة زجرية


قائمة على تجريم عدة أفعال وتسليط عقوبات بدنية و مالية  بشأنها على كل وكيل  يرتكبها تحت طائلة الإهمال والتقصير الصادر منه طبقا لما تم بسطه آنفا مع ضرورة الأخذ دوما بعين الاعتبار لإختلاف الطبيعة القانونية لكل فعل إجرامي يقترف على حدة هذا فضلا على درجة جسامته وخطورته ذاتها.

 وتجدر الإشارة مع ذلك إلى أن المشرع قد تولى بموجب إصدار مجلة الشركات التجارية الحالية في 3 /11/ 2000  إلغاء الفصول من 159 إلى 169 من م ت وتعويضها  بفرع ثالث معنون به في "تسيير الشركات ذات المسؤولية المحدودة " إحتوى من حيث مضمونه على ثلاثة أبواب متتالية تضمنت الأحكام المنظمة عموما لنفس عملية التسيير هذه بما فيها جوانبها الجزائية توصلا إلى ضمان تحقيق النجاعة المرجوة لذلك ...

 وطالما كان الأمر كذلك ، فإنه يحق التساؤل عن مدى  توفق المشرع في تحقيق ما سعى إليه من البداية عن طريق السياسة الزجرية التي إعتمدها للغرض بمعنى أوضح هل نجح  فعلا بصفة ملموسة و من عدمه في تحقيق حماية لمصالح الشركة من جملة الأفعال  السلبية التي قد يأتيها وكيل أو وكلاء التصرف ضدها  في غير مصلحتها  خلال فترة سيرها بالأساس ؟

 لا يتسنى الإجابة عن هذه الإشكالية القانونية الهامة للغاية ما لم يتم التعرض تباعا لبيان واقع المسألة بخصوص مسألة  التصرف الإداري لوكيل أو وكلاء التصرف أثناء فترة تسيير

الشركة عبر ضرورة المضي  في تحديد جملة نفس الجرائم السلبية المعنية تلك (جزء أول ) ليتسنى التمكن ثانيا من الوقوف قدر ما أمكن على محاولة الكشف عن الخصوصية ذاتها التي اكتساها من الأصل  تدخل المشرع بذات الخصوص وإماطة اللثام عن كيفية تعاطي الأحكام الجزائية نفسها المكرسة من قبله والواردة بالتشريع الحالي المنطبق مع نفس هذه الأفعال المادية الواقع تجريمها من قبل  ( جزء ثان ) .

  

      الجزء الأول : تحديد جرائم التصرف السلبي بالشركة ذات المسؤولية المحدودة  :

 

 سبق لفقهاء القانون التجاري المهتمين بمجال الشركات التجارية خصوصا أن بينوا بإسهاب ما يكتسيه مفهوم التصرف الإداري من أهمية معتبرة للغاية خلال  فترة تسيير الشركة ذات المسؤولية المحدودة أمام ما يحتويه هذا النوع من التصرف من سلطات تحتاجها الشركة حتما عن طريق وكلائها لحفظ مصالحها المختلفة تجاه من تتعامل معها لا يتصورمطلقا أن يقع الإستغناء عنها أو التنازل بخصوصها من قبل من ذكروا لكونها تشكل في الحقيقة و من العمق  أداة لتجسيم ما تعهدوا بشأنه تجاهها .

  وعلى كل ، فإن التجربة العملية قد أثبتت بصفة شبه يقينية أن الوكيل أو الوكلاء قد ينحرفون أحيانا بسلطات التسيير الممنوحة لهم قانونا لخدمة مصالحهم الخاصة أو  لخدمة مصلحة من لهم معهم فائدة مهما كان نوعها أو مداها مما يتجه معه إذن عملا بما تقدم ومن خلال النظر في ما إحتواه تحديدا الفصل 147 م ش ت من مقتضيات بهذا الخصوص  حصر الجرائم السلبية المعنية و المتعلقة لا غيربالتصرف الإداري أثناء فترة السير في  جريمة عدم دعوة جلسة الشركاء مرة في السنة على الأقل لتمام الانعقاد (فصل أول ) وكذلك جريمة عدم دعوة الشركاء للإنعقاد في صورة إنخفاض أموالهم الذاتية إلى النصف للمصادقة على الحسابات وإتخاذ التدابير المناسبة نتيجة الخسائر اللاحقة بها ( فصل ثان ) .

    

                *الفصل الأول : جريمة عدم دعوة جلسة الشركاء للانعقاد مرة في

                                              السنة على الأقل :

 

تضمنت مجلة الشركات التجارية فصلا تم في إطاره تعداد تشريعي لهذه الجرائم هو الفصل 147 الذي نص بخصوص الجريمة المتقدمة على أنه :"يعاقب بخطية من خمسمائة إلى خمسة آلاف دينار الوكلاء الذين لم يتولوا دعوة جلسة الشركاء مرة في السنة على الأقل ..."

 

                      فقرة أولى  – مفهوم الجريمة :

 

يتضح جليا أن المشرع التجاري لم يتولى دوما من خلال عبارات ذات الفصل 147  تعريف جريمة عدم الدعوة تلك لتبقى بذلك محل تنصيص تشريعي لا غير نظرا لثبوت خوض الفقه  في ذلك من ناحية أولى  ونظرا من ناحية ثانية لكونه بالإمكان رغما عن ذلك تقديم تعريف عملي من شأنه أن يحيط حتما بأهم مميزاتها وخصائصها.

 

وعليه يمكن تعريفها قانونا بأنها :" تخلف من ذكروا عن توجيه إستدعاءات محكومة بآجال محددة ووفق شكليات مضبوطة قانونا للشركاء بالشركة قصدإعلامهم بموعد إنعقاد الجلسة العامة كفضاء سيادي تحفظ به مكانتها وعلويتها " .

 

                  فقرة ثانية – أركان الجريمة :

 

تفترض جريمة عدم الدعوة لنهوضها قانونا وفقا للفصل 147 فقرة ثانية م ش ت توافرأركان قانونية مستوجبة هي تباعا ركن شرعي (1) وركن مادي (2) وآخر معنوي (3) .

 

                          1– ركن شرعي :

 يستنتج عبر التمعن في مقتضيات الفصل 147 م ش ت دوما  أن المشرع إشترط في إطاره أمرا هاما هو أن يقع وجوبا من جانب وكيل أو وكلاء الشركة ودون أن يقع التنصيص على ذلك صراحة إحترام الشكليات القانونية الوارد ذكرها بالفصل 126  م ش ت المتعلقة أصلا بنفس هذه الدعوة ،، مما يحمل على القول بأن ذات الشكليات المذكورة بالفصل المتقدم هي شكليات وجوبية يترتب عن مخالفتها وعدم التقيد بها حتما جزاء البطلان لثبوت تعلقها تباعا بالدعوة لإنعقاد كل من الجلسة العادية وكذلك الجلسة أوالجلسات الخارقة للعادة أوغير العادية  إذ ما ينبغي التمسك به هنا هوحتما الصبغة الإلزامية المميزة لهذا الواجب القانوني الملقى على عاتق الوكيل أو الوكلاء تحت طائلة التتبعات الجزائية ذاتها  .

                      2 – ركن مادي :

  

يمثل هذا الركن واقعيا أهم أركان الجريمة على الإطلاق أمام أهمية الأفعال المادية المؤلفة لها قانونا والمتجسمة في إطار صنفين إثنين هما صنف أول متعلق بالجلسات العادية (2-1 ) وصنف ثان خاص بالجلسات الخارقة للعادة أو غير العادية (2-2) .

 

                        2-1 : حالة عدم الدعوة للجلسات العادية :   

 

تضمن الفصل 126  م ش ت إشارة لهذا المعطى من خلال عرضه تفصيلا لجملة ما يتحتم قانونا على الوكلاء الإلتزام بالقيام به حيال الشركاء أثناء تسيير الشركة من قبلهم ليتضح إذن أن نفس الفصل 126 قد نص على أنه "..ويتولى الوكيل دعوة الشركاء للجلسات العامة وعند التعذر تتم دعوتهم عن طريق مراقب الحسابات إن وجد . ويقع توجيه الإستدعاء بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع الإعلام بالبلوغ قبل عشرين يوما على الأقل من تاريخ إنعقاد الجلسة العامة وتتضمن بوضوح جدول أعمال الجلسة العامة إضافة إلى نص القرارات المقترحة " .

 ويكون تبعا لما ذكر الإمتناع قائما قانونا في حق كل وكيل أو مجموعة وكلاء كلما أحجموا عن تأمين واجب الدعوة بموجب عدم إحترامهم لطرق الإستدعاء المذكورة أعلاه فضلا على أنه يتضح من خلال نص الفصل أي  126  م ش ت دوما أن المشرع تولى تحديد كيفية إستدعاء الشركاء والمدة المخولة لذلك قانونا إضافة إلى جملة الوثائق التي يتعين أن تتضمنها الرسالة مضمونة الوصول مع الإعلام بالبلوغ والتي سيقع بواسطتها تحقيق أو تأمين حصول هذا الإستدعاء .

 وقد نص الفصل 128  م ش ت في نفس هذا الإطار أنه " يجب أن تنعقد الجلسة العامة العادية السنوية في أجل ستة أشهر من تاريخ إختتام السنة المحاسبية للشركة  إضافة لتحديده لحزمة من الواجبات الإضافية المحمولة على كاهل الوكيل أو الوكلاء  الشركاء قبل التاريخ المحدد لإنعقاد الجلسة العامة بثمانية أيام على الأقل مما  ما ينجر عنه حتما حصول مساؤلته جزائيا في حالة عدم إلتزامه مطلقا بذلك  .

                       2 -2 : حالة عدم الدعوة للجلسات الخارقة للعادة :

 

لا يختلف الأمر في شيء عما تم تناوله سابقا بحكم أن نفس الفصل 126  م ش ت  أعلاه هو الذي نظم كامل المسألة إجرائيا حسب نصه مما يستنتج معه قياسا بالحالة الأولى أن نفس الصبغة الإلزامية المميزة لعمل الوكيل أو الوكلاء في هذا الإطار هي ذاتها الواقع تكريسها تشريعيا بالنظر أساسا لصبغتها المتأكدة التي يمكن لمسها بوضوح في حالة الترفيع في رأس مال الشركة أو التخفيض فيه أو كذلك تحوير عقدها التأسيسي .

 وتكمن العلة في تجريم فعل عدم الدعوة هنا في طبيعة وظيفة  الوكلاء ذاتها من جهة  وفي إقرار حق الشركاء قانونا في النظر حينيا في كل المسائل التي تهم حياة الشركة أثناء فترة سيرها من جهة أخرى ذلك أنهم عموما أي الوكيل أو جملة الوكلاء دوما مطالبون قانونا بتوجيه الإستدعاء لكافة الشركاء لحضور كل الجلسات ليتمكن هؤلاء فعليا من إتخاذ كل قرار بمحضر كل واحد منهم وبشكل لا إستعجال فيه...

             3  – ركن قصدي :

 لم يتولى المشرع  خلافا لما هو عليه الحال بالنسبة للجرائم الإيجابية المرتكبة من الوكلاء بنفس الشركة  التنصيص صراحة على حتمية توفرهذا الركن  عبر عدم تضمينه لعبارات تدل مباشرة على ذلك من قبيل " يتولون عمدا"   أو "قصدا" ... مما من شأنه أن يثير حتما  عديد الإشكاليات التطبيقية المعتبرة : فهل أن جريمة الحال هي جريمة قصدية أم هي جريمة مادية أو شكلية لا غير ؟؟ .

 لا بد من التذكير دوما بأن القصد الجنائي لا يحمل أبدا على الظن والتخمين وأنه يستخلص بداهة من الظروف المحيطة بكل قضية جزائية على حدة ،  فهو اذن أمر واقعي تبقى مسألة تقديره راجعة أساسا للقاضي الجالس المتعهد مما يعني أنه من الأنسب قانونا ومن باب المنطق نفسه وأمام تواجد عائق أصلي هام ،  أن يقع إعتبار الجريمة جريمة مادية لا غير تفترض قانونا ركن القصد لقيامها  سيما مع عدم شدة العقوبة الجزائية المترتبة قانونا عن إتيانها  .

        فصل ثان : جريمة عدم الدعوة في صورة معاينة خسارة 

                                نصف الأموال الذاتية :

 

تضمنت أحكام الفقرة الرابعة من الفصل 147 م ش ت  ما يلي " يعاقب بخطية ... الوكلاء الذين لم يستشيروا الشركاء لإتخاذ التدابير المناسبة في الشهر الذي يلي المصادقة على القوائم المالية التي عاينت أن أموالها الذاتية أصبحت دون نصف رأس مالها نتيجة الخسائر اللاحقة بها "، مما يستخلص معها ثبوت وجود إختلاف بارز بين صياغة النص بالمجلة القديمة وصياغته بالمجلة الحالية ولكن خصوصا بين ما حمله من مقتضيات مفصلة مباشرة بالجريمة محل الدرس .

 

                       فقرة أولى– مفهوم الجريمة :

 لم يعرف المشرع على غرار الجريمة الأولى  قانونا هذا الصنف الثاني من جرائم عدم دعوة الشركاء للإنعقاد في إطار جلسات عامة بالنظر أساسا لشمول و لتواجد كلا الجريمتين بنفس النص القانوني الذي لم يعرفهما ذاته مطلقا ، لكن أمكن مع ذلك للفقه و لفقه القضاء أيضا تجاوز ذلك  بأن سعى في تقديم تعريف يكون ملتصقا أقصى ما أمكن بخصوصية الجريمة ذاتها بأن إعتبرها متوفرة كلما إمتنع  وكلاء الشركة عن المبادرة بالقيام قانونا بالإعلان عن ظهور إنحدار لأموال الشركة لأقل من نصف قيمة رأسمالها الأصلي ودعوة الشركاء وفقا لذلك وعملا بالصيغ والشكليات المفروضة قانونا بالفصل 126 م ش ت للاجتماع والتباحث بشأن مصير الشركة ليقع بموجبه إذا ما حصل فعليا إتخاذ أحد الحلين التاليين :

 

      ــ إما إقرار الحل وبالتالي المصادقة على زوال الشركة فعليا إذا ما بلغت وضعا ميؤوسا منه أوجب حلها أو تصفيتها من بعد ذلك .

 

      ــ وإما إقرار مواصلة الشركة لأنشطتها المختلفة في صورة ما إذا تراءى للشركاء أن الخسائر لا تشكل رغم أهميتها خطرا من شأنه القضاء تماما على الشركة أو إعدامها ليتم ذلك عمليا سواء بالتخفيض في رأس المال أو بالترفيع فيه إلى حد يمكن الشركة من تخفيض خسائرها المسجلة على مستوى أموالها وبالتالي تجاوز منطقة الخطر التي كانت تتخبط فيها أثناء فترة سيرها .

 على أن مثل هذه القرارات أعلاه لا يمكن أن تتم عمليا في ظل عدم التقيد الكامل بأحكام الفصل 142  م ش ت الذي أقر مزيدا من المقتضيات التفصيلية المتعلقة خاصة بآجال الدعوة والأغلبية المستوجبة قانونا من الشركاء لإتخاذ قراراتهم المناسبة بحل الشركة أو مواصلة نشاطها على النحو المذكور أعلاه .

                       فقرة ثانية – عناصر الجريمة :

                           1– ركن مادي :

يتجسد هذا الركن عمليا في تولي من ذكروا استئناسا بما ورد بالفصل 147 م ش ت التغاضي عن تأمين واجب دعوة الشريك أو الشركاء للإمتناع وفق صيغ أو إجراءات شكلية مضبوطة خلال آجال زمنية معينة سبق التعرض إليها  .

 وتتحتم الإشارة إلى مسألة قانونية هامة مفادها أن تشريع 1959 لم  ينص مطلقا بالفصل 169  م ت على قيمة توافر هذا الركن المادي لإعتبار بسيط هو أن نفس هذا الفصل  لم يتعرض مطلقا لجرائم عدم الدعوة المطروحة للدرس من الأصل وللجرائم السلبية المتعلقة بالتصرف بنوعيه أي الإداري وحتى ذلك المقابل له  أي المحاسباتي ذاته ، حال أن  إثبات توفر الركن المادي للجريمة المعنية يحمل  قانونا وطبقا للقواعد الأصولية المنطبقة  على من يثيره بمناسبة كل نزاع جزائي أمام الجهة القضائية المتعهدة به .

                    ب – ركن معنوي :

 يفترض الأمر أوليا إعتبار جريمة عدم الدعوة محل التمحيص جريمة قصدية بامتياز أمام صفة من يرتكبها أولا و طبيعة سلطاته ومداها داخل الشركة  وثانيا وعلى وجه الخصوص أمام خطورة الآثار المنجزة عن هذا الفعل المجرم إذا ما إرتكب فعليا  ممن ذكروا ،على أن الأمر هوخلاف ذلك تماما طالما و أن الفصل 147 م ش ت كركن شرعي لجرائم التصرف بالشركة لم ينص مطلقا على حتمية توافره وعلى عدم تواجده أصلا صراحة أو حتى ضمنا  مما يؤول قانونا وبالتبعية إلى إعتبار الجريمة الراهنة مباشرة جريمة غير قصدية أو مادية تقوم قانونا بمجرد تحقيق ركنها المادي دون التوقف على وجود الركن  الأدبي و من عدمه] هذا فضلا على أنه لا مجال هنا مبدئيا لإلزام إثبات توفره من قبل من يدعيه لأنه أصلا غير موجود بخلاف ما يخول للقاضي الجزائي المتعهد عمليا في إبرازه وإن إقتضى الأمر إقامة الدليل العميق على تواجده عملا أولا بوجدانه الخالص وإستئناسا بحرية الإثبات في المادة الجزائية عبر النظر من قبله في طبيعة تصرفات الوكيل أو الوكلاء ومدى خطورتها من عدمه في علاقتها بالجريمة ثانيا  .

 

         جزء ثان : كيفية تعاطي الأحكام الجزائية مع أفعال التصرف السلبية :

 

يتحتم أولا بيان أوجه الزجر المعتمدة تشريعيا ( فصل أول ) ليتسنى الوقوف ثانيا على واقع تمشي القضاء في تطبيق ما ذكر وتنزيله عمليا على أرض الواقع ( فصل ثان ) .

                فصل أول : الأوجه التشريعية للزجر

  يتضح عبر التدقيق في ما تضمنته عبارات الفصل 147 م ش ت  أن المشرع نظم من خلاله  أوجه الزجر المعنية بأن أقر مؤاخذة جزائية على مرتكبي الجريمة  عبر توليه تسليط عقوبة على كل وكيل تمثلت في خطية مالية متراوح مقدارها بين 500 و5000 دينار أي بين حدين أدنى وآخر أقصى على خلاف ما كانت قد تضمنته المجلة التجارية سابقا من  فصل ملغى ورد بالقسم الثاني منها" في سير أعمال الشركات ذات المسؤولية المحدودة من الباب السادس المعنون ب " في الشركات ذات المسؤولية المحدودة " هو الفصل 169 الذي  لم يحتوي على ذات أحكام الفصل أعلاه ولا على طبيعة الجرائم المضمنة به  .

 و تستدعي العقوبة المالية المذكورة بالفصل 147 م ش ت  الإدلاء تباعا بجملة ملحوظات بخصوصها أولها و أبرزها  زهادة العقوبة الحزائية المقررة تشريعيا إذ وبالرغم من أنها مالية وفي شكل خطية ، إلا أنها إتسمت أساسا بضعف مقدارها طالما ثبت عمليا أنها لا تتناسب مع جسامة خطأ التصرف المقترف من قبل الوكيل أو الوكلاء سيما إذا ما أدى نفس هذا الفعل إلى حل الشركة و إلى إنقراضها ، مما من شأنه أن يدفع إلى التمسك بالإقرار زيادة على ذلك بأن نفس هذه المحدودية أعلاه عكست في النهاية محدودية الحماية الجزائية الواقع إقرارها تشريعيا لحماية مصالح الشركة ذات المسؤولية المحدودة خلال فترة سيرها مما شكل حتما ثغرة هامة  كان من الأفضل لو تم  تجاوزها بتنقيح الفصل إن إقتضى الأمر ذلك .

   ثاني الملاحظات مستوجبة البيان والتي لا تقل أهمية عن سابقيتها هي ثبوت إقرارالمشرع وتنصيصه صلب موضع مختلف من المجلة الحالية على طريقة أخرى مغايرة تماما لطريقة المؤاخذة الجزائية يمكن اعتبارها قائمة ككل على أسلوب الإلزام والفرض أمام ثبوت تنصيص الفصل 127 م ش ت على أنه " يمكن للشريك أو عدة شركاء يملكون ربع رأس مال الشركة على الأقل أن يطلبوا من الوكيل دعوة الجلسة العامة للإنعقاد مرة في السنة وفق الشروط المنصوص عليها بالفقرة الثانية من الفصل 126 من هذه المجلة ويعد لاغيا كل شرط بالعقد التأسيسي يقتضي خلاف ذلك " .

 غير أن ما يلفت الإنتباه حقا هنا هو أنه يمكن حسب الفقرة الثانية من نفس الفصل " لكل شريك أن يلجأ إلى القاضي الإستعجالي لطلب إلزام الوكيل أو مراقب الحسابات إن وجد أو يطلب تعيين متصرف قضائي لدعوة الجلسة العامة للإنعقاد وضبط جدول أعمالها وذلك لأسباب مشروعة وفي كل الحالات تكون الشركة ملزمة بتغطية مصاريف الجلسة العامة "

 كما ورد أيضا بالفصل 127  م ش ت في إطار جزاء البطلان على مخالفة الشكليات القانونية الموظفة على الإستدعاء طبقا للفصل 126 م ش ت  أنه " لكل شريك الإلتجاء إلى القاضي الإستعجالي لطلب الحكم ببطلان جلسة عامة تمت دعوتها للإنعقاد خلافا للصيغ القانونية "  ليقع ختاما بناءا على كافة ما تقدم استخلاص أن الحماية الجزائية لواجب دعوة الجلسات العامة على إختلاف أنواعها للإنعقاد بالشركة هي فعلا محدودة وقاصرة تماما على بلوغ مرتبة النجاعة لمختلف الاعتبارات الواقعية والقانونية سالفة الذكر مما يعني حتما أن أمر تدخل المشرع بخصوص كل هذا أصبح بالفعل ملحا للغاية ومطلوبا أكثر من ذي قبل  طالما و أن نفس هذه العقوبة التشريعية هي عقوبة تقليدية بإمتياز أثبت الواقع بشكل شبه نهائي تمام عدم استجابتها مطلقا لمقتضيات التطورالسريع  للأنشطة التجارية عموما ولكن أيضا وهو الأهم لخصوصية هذه الأنشطة وتميزها ذاته داخل المنظومة الإقتصادية الوطنية والدولية ككل ، مما  يبدو معه أنه كان من الضروري على المشرع أن يفكر مليا وجديا في إمكانية إدخال آليات جديدة من منطلق ما ذكر كإعتماد مفهوم التدابير الإحترازيةسعيا منه لتلافي ثغرات التشريع الحالي كالتسريع بتنقيح أحكام المجلة الحالية في نفس الإتجاه .



بقلم  عماد سعايدية محامي لدى التعقيب واستاذ جامعي وباحث   

 

إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button

يمكنكم متابعتنا

يمكنكم متابعتنا