مما قد يتخذ معه نفس هذا الانحراف عدة أشكال وصور سيختلف معه مداه وستختلف حتما حدته و تتباين من وكيل إلى آخر ...
ولقد أثبت الواقع العملي المعاش حقيقة ما سلف إذ قد يتولى الوكيل أو الوكلاء حال تعهدهم بتسيير مختلفة مصالح الشركة ذات المسؤولية المحدودة وبموجب ما تم تفويضه إليهم من سلطات للغرض[1] ، ارتكاب أفعال ترتكز في جوهرها على أعمال مادية قائمة على المبادرة التلقائية وعدم الامتناع أي على الطابع الإيجابي المميز في النهاية لإتيانها واقترافها[2] .
ولكن قد يأتي نفس من ذكروا في المقابل أفعالا مغايرة تماما للأولى أصبح يصطلح على تسميتها في إطار قانون الشركات التجارية عموما بالجرائم السلبية أو "جرائم الامتناع " التي تكمن أهميتها عموما من خلال الاهتمام الملحوظ والمتزايد بشأنها الذي وصل لحد إقرار عقوبات معتبرة بخصوصها ضمن أطر قانونية خاصة.
على أن قيمتها العملية تتمظهر أكثر للعيان من خلال نموها المطرد واتساع رقعة إنتشارها لتشمل اليوم تقريبا كافة مجالات القانون بما فيها ميدان الأعمال عموما وميدان الشركات التجارية خصوصا الذي أصبح يتفرد لحد كبير عن غيره من المجالات الأخرى بخاصية مميزة له هي تكاثر جنوح وكيل أو وكلاء الشركات التجارية عموما بما فيها دوما الشركات ذات المسؤولية المحدودة نحو ترك ما هم محمولين على القيام به من أعمال مختلفة لصالح الشركة التي يتولون تمثيلها لدى الغير...على أساس معطى أصبح ثابتا اليوم لم يعد بالإمكان غض الطرف عنه هو سيطرة الصبغة الشكلية على مستوى إرتكاب الجرائم الموجبة لمؤاخذة جزائية على حساب صبغتها الإرادية والقصدية .
وأمام كل ما ذكر ووعيا من المشرع بقيمة المسألة وما يمكن أن تشكله حتما من مخاطر على صعيد تطوير أنشطة الشركات التجارية نفسها وانطلاقا من جملة الأهداف المعلن عنها تشريعيا ، إتبع المشرع فيما تعلق تحديدا بالشركة ذات المسؤولية المحدودة سياسة زجرية
قائمة على تجريم عدة أفعال وتسليط عقوبات بدنية و مالية بشأنها على كل وكيل يرتكبها تحت طائلة الإهمال والتقصير الصادر منه طبقا لما تم بسطه آنفا مع ضرورة الأخذ دوما بعين الاعتبار لإختلاف الطبيعة القانونية لكل فعل إجرامي يقترف على حدة هذا فضلا على درجة جسامته وخطورته ذاتها.
الشركة عبر ضرورة المضي في تحديد جملة نفس الجرائم السلبية المعنية تلك (جزء أول ) ليتسنى التمكن ثانيا من الوقوف قدر ما أمكن على محاولة الكشف عن الخصوصية ذاتها التي اكتساها من الأصل تدخل المشرع بذات الخصوص وإماطة اللثام عن كيفية تعاطي الأحكام الجزائية نفسها المكرسة من قبله والواردة بالتشريع الحالي المنطبق مع نفس هذه الأفعال المادية الواقع تجريمها من قبل ( جزء ثان ) .
سبق لفقهاء القانون التجاري المهتمين بمجال الشركات التجارية خصوصا أن بينوا بإسهاب ما يكتسيه مفهوم التصرف الإداري من أهمية معتبرة للغاية خلال فترة تسيير الشركة ذات المسؤولية المحدودة أمام ما يحتويه هذا النوع من التصرف من سلطات تحتاجها الشركة حتما عن طريق وكلائها لحفظ مصالحها المختلفة تجاه من تتعامل معها لا يتصورمطلقا أن يقع الإستغناء عنها أو التنازل بخصوصها من قبل من ذكروا لكونها تشكل في الحقيقة و من العمق أداة لتجسيم ما تعهدوا بشأنه تجاهها .
*الفصل الأول : جريمة عدم دعوة جلسة الشركاء للانعقاد مرة في
السنة على الأقل :
تضمنت مجلة الشركات التجارية فصلا تم في إطاره تعداد تشريعي لهذه الجرائم هو الفصل 147 الذي نص بخصوص الجريمة المتقدمة على أنه :"يعاقب بخطية من خمسمائة إلى خمسة آلاف دينار الوكلاء الذين لم يتولوا دعوة جلسة الشركاء مرة في السنة على الأقل ..."
يتضح جليا أن المشرع التجاري لم يتولى دوما من خلال عبارات ذات الفصل 147 تعريف جريمة عدم الدعوة تلك لتبقى بذلك محل تنصيص تشريعي لا غير نظرا لثبوت خوض الفقه في ذلك من ناحية أولى ونظرا من ناحية ثانية لكونه بالإمكان رغما عن ذلك تقديم تعريف عملي من شأنه أن يحيط حتما بأهم مميزاتها وخصائصها.
وعليه يمكن تعريفها قانونا بأنها :" تخلف من ذكروا عن توجيه إستدعاءات محكومة بآجال محددة ووفق شكليات مضبوطة قانونا للشركاء بالشركة قصدإعلامهم بموعد إنعقاد الجلسة العامة كفضاء سيادي تحفظ به مكانتها وعلويتها " .
تفترض جريمة عدم الدعوة لنهوضها قانونا وفقا للفصل 147 فقرة ثانية م ش ت توافرأركان قانونية مستوجبة هي تباعا ركن شرعي (1) وركن مادي (2) وآخر معنوي (3) .
1– ركن شرعي :
يمثل هذا الركن واقعيا أهم أركان الجريمة على الإطلاق أمام أهمية الأفعال المادية المؤلفة لها قانونا والمتجسمة في إطار صنفين إثنين هما صنف أول متعلق بالجلسات العادية (2-1 ) وصنف ثان خاص بالجلسات الخارقة للعادة أو غير العادية (2-2) .
2-1 : حالة عدم الدعوة للجلسات العادية :
تضمن الفصل 126 م ش ت إشارة لهذا المعطى من خلال عرضه تفصيلا لجملة ما يتحتم قانونا على الوكلاء الإلتزام بالقيام به حيال الشركاء أثناء تسيير الشركة من قبلهم ليتضح إذن أن نفس الفصل 126 قد نص على أنه "..ويتولى الوكيل دعوة الشركاء للجلسات العامة وعند التعذر تتم دعوتهم عن طريق مراقب الحسابات إن وجد . ويقع توجيه الإستدعاء بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع الإعلام بالبلوغ قبل عشرين يوما على الأقل من تاريخ إنعقاد الجلسة العامة وتتضمن بوضوح جدول أعمال الجلسة العامة إضافة إلى نص القرارات المقترحة " .
وقد نص الفصل 128 م ش ت في نفس هذا الإطار أنه " يجب أن تنعقد الجلسة العامة العادية السنوية في أجل ستة أشهر من تاريخ إختتام السنة المحاسبية للشركة إضافة لتحديده لحزمة من الواجبات الإضافية المحمولة على كاهل الوكيل أو الوكلاء الشركاء قبل التاريخ المحدد لإنعقاد الجلسة العامة بثمانية أيام على الأقل مما ما ينجر عنه حتما حصول مساؤلته جزائيا في حالة عدم إلتزامه مطلقا بذلك .
لا يختلف الأمر في شيء عما تم تناوله سابقا بحكم أن نفس الفصل 126 م ش ت أعلاه هو الذي نظم كامل المسألة إجرائيا حسب نصه مما يستنتج معه قياسا بالحالة الأولى أن نفس الصبغة الإلزامية المميزة لعمل الوكيل أو الوكلاء في هذا الإطار هي ذاتها الواقع تكريسها تشريعيا بالنظر أساسا لصبغتها المتأكدة التي يمكن لمسها بوضوح في حالة الترفيع في رأس مال الشركة أو التخفيض فيه أو كذلك تحوير عقدها التأسيسي .
وتكمن العلة في تجريم فعل عدم الدعوة هنا في طبيعة وظيفة الوكلاء ذاتها من جهة وفي إقرار حق الشركاء قانونا في النظر حينيا في كل المسائل التي تهم حياة الشركة أثناء فترة سيرها من جهة أخرى ذلك أنهم عموما أي الوكيل أو جملة الوكلاء دوما مطالبون قانونا بتوجيه الإستدعاء لكافة الشركاء لحضور كل الجلسات ليتمكن هؤلاء فعليا من إتخاذ كل قرار بمحضر كل واحد منهم وبشكل لا إستعجال فيه...
نصف الأموال الذاتية :
تضمنت أحكام الفقرة الرابعة من الفصل 147 م ش ت ما يلي " يعاقب بخطية ... الوكلاء الذين لم يستشيروا الشركاء لإتخاذ التدابير المناسبة في الشهر الذي يلي المصادقة على القوائم المالية التي عاينت أن أموالها الذاتية أصبحت دون نصف رأس مالها نتيجة الخسائر اللاحقة بها "، مما يستخلص معها ثبوت وجود إختلاف بارز بين صياغة النص بالمجلة القديمة وصياغته بالمجلة الحالية ولكن خصوصا بين ما حمله من مقتضيات مفصلة مباشرة بالجريمة محل الدرس .
ــ إما إقرار الحل وبالتالي المصادقة على زوال الشركة فعليا إذا ما بلغت وضعا ميؤوسا منه أوجب حلها أو تصفيتها من بعد ذلك .
ــ وإما إقرار مواصلة الشركة لأنشطتها المختلفة في صورة ما إذا تراءى للشركاء أن الخسائر لا تشكل رغم أهميتها خطرا من شأنه القضاء تماما على الشركة أو إعدامها ليتم ذلك عمليا سواء بالتخفيض في رأس المال أو بالترفيع فيه إلى حد يمكن الشركة من تخفيض خسائرها المسجلة على مستوى أموالها وبالتالي تجاوز منطقة الخطر التي كانت تتخبط فيها أثناء فترة سيرها .
يتجسد هذا الركن عمليا في تولي من ذكروا استئناسا بما ورد بالفصل 147 م ش ت التغاضي عن تأمين واجب دعوة الشريك أو الشركاء للإمتناع وفق صيغ أو إجراءات شكلية مضبوطة خلال آجال زمنية معينة سبق التعرض إليها .
يفترض الأمر أوليا إعتبار جريمة عدم الدعوة محل التمحيص جريمة قصدية بامتياز أمام صفة من يرتكبها أولا و طبيعة سلطاته ومداها داخل الشركة وثانيا وعلى وجه الخصوص أمام خطورة الآثار المنجزة عن هذا الفعل المجرم إذا ما إرتكب فعليا ممن ذكروا ،على أن الأمر هوخلاف ذلك تماما طالما و أن الفصل 147 م ش ت كركن شرعي لجرائم التصرف بالشركة لم ينص مطلقا على حتمية توافره وعلى عدم تواجده أصلا صراحة أو حتى ضمنا مما يؤول قانونا وبالتبعية إلى إعتبار الجريمة الراهنة مباشرة جريمة غير قصدية أو مادية تقوم قانونا بمجرد تحقيق ركنها المادي دون التوقف على وجود الركن الأدبي و من عدمه] هذا فضلا على أنه لا مجال هنا مبدئيا لإلزام إثبات توفره من قبل من يدعيه لأنه أصلا غير موجود بخلاف ما يخول للقاضي الجزائي المتعهد عمليا في إبرازه وإن إقتضى الأمر إقامة الدليل العميق على تواجده عملا أولا بوجدانه الخالص وإستئناسا بحرية الإثبات في المادة الجزائية عبر النظر من قبله في طبيعة تصرفات الوكيل أو الوكلاء ومدى خطورتها من عدمه في علاقتها بالجريمة ثانيا .
جزء ثان : كيفية تعاطي الأحكام الجزائية مع أفعال التصرف السلبية :
يتحتم أولا بيان أوجه الزجر المعتمدة تشريعيا ( فصل أول ) ليتسنى الوقوف ثانيا على واقع تمشي القضاء في تطبيق ما ذكر وتنزيله عمليا على أرض الواقع ( فصل ثان ) .
كما ورد أيضا بالفصل 127 م ش ت في إطار جزاء البطلان على مخالفة الشكليات القانونية الموظفة على الإستدعاء طبقا للفصل 126 م ش ت أنه " لكل شريك الإلتجاء إلى القاضي الإستعجالي لطلب الحكم ببطلان جلسة عامة تمت دعوتها للإنعقاد خلافا للصيغ القانونية " ليقع ختاما بناءا على كافة ما تقدم استخلاص أن الحماية الجزائية لواجب دعوة الجلسات العامة على إختلاف أنواعها للإنعقاد بالشركة هي فعلا محدودة وقاصرة تماما على بلوغ مرتبة النجاعة لمختلف الاعتبارات الواقعية والقانونية سالفة الذكر مما يعني حتما أن أمر تدخل المشرع بخصوص كل هذا أصبح بالفعل ملحا للغاية ومطلوبا أكثر من ذي قبل طالما و أن نفس هذه العقوبة التشريعية هي عقوبة تقليدية بإمتياز أثبت الواقع بشكل شبه نهائي تمام عدم استجابتها مطلقا لمقتضيات التطورالسريع للأنشطة التجارية عموما ولكن أيضا وهو الأهم لخصوصية هذه الأنشطة وتميزها ذاته داخل المنظومة الإقتصادية الوطنية والدولية ككل ، مما يبدو معه أنه كان من الضروري على المشرع أن يفكر مليا وجديا في إمكانية إدخال آليات جديدة من منطلق ما ذكر كإعتماد مفهوم التدابير الإحترازيةسعيا منه لتلافي ثغرات التشريع الحالي كالتسريع بتنقيح أحكام المجلة الحالية في نفس الإتجاه .
بقلم عماد سعايدية محامي لدى التعقيب واستاذ جامعي وباحث